السبت، 18 ديسمبر 2010

"أقول لكم" عن شوقي حافظ


لا أذكر أنني التقيتُه وجها لوجه ولا مرة واحدة في حياتي ، ومع ذلك أكن له في داخلي حبا واحتراماً شديدين ، لأسباب بعضها موضوعي ، والآخر شخصي .. أما الموضوعي فهو عموده اليومي "أقول لكم" الذي كان أشبه بـ"علامة" مسجلة لجريدة الوطن .. يحدث أن واحدا مثلي يبدأ قراءة الجريدة من الصفحة الأخيرة ليرى ماذا كتب شوقي حافظ اليوم .. كنتُ دائما أردد أن الالتزام أمام القارئ بعمود أسبوعي هو أمر متعب ، أما الالتزام بعمود يومي فذلك أشبه بالانتحار الكتابي ، ذلك أن الكاتب في سبيل هذه المحرقة اليومية مضطر أحيانا لكتابة مقالات هو نفسه غير راض عنها.. البعض يستسهل ذلك ولكنك تكتشف مدى ورطته حين تراه يحول العمود أحيانا إلى خواطر أو عرض لرسائل من قرائه .. أما صاحب "أقول لكم" فكنتُ أندهش من قدرته في كل مرة على القبض على فكرة بسيطة والكتابة عنها في سطور قليلة يظهر خلالها حسه الساخر من جهة ، وثقافته واطلاعه الواسعان من جهة أخرى .. كانت لديه تلك القدرة العجيبة على الالتقاط بحيث يصنع مقالا جميلا من خبر طريف قرأه في الصفحة الأخيرة في الجريدة مثلا ..
لا أعلم على وجه الدقة متى بدأ شوقي حافظ كتابة زاويته اليومية ، فمنذ وعيتُ على فعل القراءة للصحف وأنا أقرأ "أقول لكم" .. ولكني أذكر عمودا بعينه قرأتُه له في عام 1997 .. كان يتحدث بلغة بسيطة عن قصة لقاص عماني مغمور كانت قد فازت لتوها بجائزة المنتدى الأدبي لذلك العام .. كان يحلل القصة بمهارة ناقد ويدعو قراءه للانتباه لهذا الكاتب الشاب الذي يرى أنه موهوب . أما القصة فكانت "المرايا جمع تكسير" ، وأما القاص فهو كاتب هذه السطور ، والذي أسعده هذا المقال القصير كما لم ولن يسعده - بنفس الدرجة - أي مقال أو دراسة نقدية أخرى عن كتابته في قابل الأيام ، فالكاتب دائما يكون بحاجة للتشجيع والتعريف به وهو يتلمس أولى خطواته على طريق الكتابة ، وليس بعد ذلك .. ما أسعدني أكثر في هذا العمود أنه لم تكن بيني وبين الأستاذ شوقي أي معرفة شخصية قبل هذا المقال سوى معرفة القارئ بالكاتب .. وأذكر أنه بعد أن بدأ بوضع بريده الالكتروني أسفل مقالاته أرسلتُ له رسالة أذكّره بهذا المقال وأشكره عليه ، ولا أدري حتى اليوم إن كان قرأ رسالتي مادام لم يصلني رده .
بعد عشر سنوات من عموده ذاك – وتحديدا في النصف الثاني من 2007 - فاجأني شوقي حافظ بعمود آخر بُعَيدَ فوزي بجائزة يوسف إدريس يصفني فيه بأني كاتب بمليون ريال ، ويذكّر قراءة ما مفاده أنني كنتُ "أقول لكم" قبل عشر سنوات انتبهوا لهذا الكاتب .. في ذلك الصباح أذكر أنني كنتُ في خصب مشاركا كمحكم في مسابقة الملتقى الأدبي للشباب عندما انهالت علي الرسائل الهاتفية تطلب مني قراءة عمود شوقي حافظ .. وما إن قرأتُه حتى بعثتُ له رسالة الكترونية أخرى على ايميله أشكره فيها على ما كتب وأخبره أنني ممتن كثيرا لمقاليه القديم والحديث ، ولستُ متأكدا حتى اليوم إن كان قرأ هذه الرسالة أيضا .. ولكن ما أنا متأكد منه حقا أنه لن يقرأ هذا المقال ، ولن يعرف أنني كنتُ أتمنى أن ألتقي به وجها لوجه ولو لمرة واحدة ، ولكن يبدو أن القدر شاء أن تكون علاقتنا طوال حياتينا علاقة قارئ بكاتب فقط .
رحم الله شوقي حافظ .