الاثنين، 7 مارس 2011

لهذه الأسباب سأعتصم أمام وزارة الاعلام


كثيرة هي ثمار وايجابيات الاعتصامات السلمية النبيلة التي تشهدها السلطنة في صحار ومسقط وصلالة وصور وغيرها من المناطق ॥ ولكني سأقول كمدخل لهذا المقال انه لو لم يكن من ثمارها سوى أنها رفعت من سقف حرية الرأي والتعبير لكفاها .. ثمة منجز يتحقق على هذا الصعيد لم يستفد منه اعلامُنا الرسمي للأسف ، فأضاع الفرصة كعادته .. قلتُ في كلمة قصيرة أمام ما بات يطلق عليه الآن "ساحة الشعب" مساء الثاني من مارس الجاري إن كثيرا من الاعلاميين العمانيين يتوقون لتقديم اعلام حقيقي وحر ، يعبر عن نبض الناس وهمومهم ، ولكن المناخ الذي يعملون فيه لا يساعد على ذلك للأسف ..
ليس هذا مقالا من اعلامي مصرّ على جلد ذاته ، بل هي محاولة لممارسة حق ابداء الرأي في أمر يخصني أكثر من غيري مادمتُ إعلاميا يضطر أحيانا لتلقي سهام النقد على أمر لا شاة له فيه ولا سخل صغير ، وهو حق كفله لي النظام الأساسي للدولة ، مثلما كفل لي أيضا أن أمارس حقي في الاعتصام السلمي أمام وزارة الاعلام احتجاجا على الفرص الكثيرة التي أضاعها الاعلام ، والتي كان من شأنها أن تصالح العماني على اعلامه .. لنقل اذن ان هذا المقال هو محاولة لتذكير القائمين على الاعلام العماني بعدد من الفرص الضائعة التي كان من الممكن أن تصالح العماني على اعلامه ، وتجعل هذا الاعلام شريكا في التنمية ، مثلما يُراد له دائما من قبل المسؤولين، والتنمية الأهم هي تنمية الانسان كما أكد الزميل والصديق زاهر المحروقي في كلمته في "ساحة الشعب" مساء السادس من مارس الجاري.
أولى هذه الفرص ذكرها زاهر نفسه في كلمته وهي برنامج "البث المباشر" في نسخته القديمة التي بدأت في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ، والتي قدمت جرأة نقدية غير مسبوقة للأداء الحكومي وجعلت المواطن يلتف حول اعلامه ويعتبره المعبر الأول عن آلامه وآماله ، ولكن بعد سنوات قليلة ثمة من لم يُطق هذه الحرية الاعلامية فانبرى باسم الوطنية والحفاظ على مكتسبات النهضة الى وأد البرنامج ليعود بعد سنوات طويلة "بثا مباشرا" آخر لا يحمل من سابقه سوى الاسم ، بثا مليئا بالخطوط الحمر والألغام الشائكة التي على مقدم البرنامج أن يبدد جهده في محاولة القفز منها ، بدلا من التركيز على موضوع البرنامج ..
ومرت السنوات ولاحت الفرصة الأخرى المتمثلة في برنامج "هذا الصباح" الذي فاجأ الناس منذ يومه الأول وبات حديث مجالسهم ، وظن المواطن أنه وجد أخيرا متنفسه في التعبير عن نفسه ومشاكله ، ولكن ما هي الا أيام قلائل حتى ضاق الهواء بأكسجين الحرية ، وترك مجلس الوزراء جميع مشاغله وفرغ نفسه لـ"تقنين" هذه الحرية ، وتوجيه القائمين على البرنامج بما ينبغي عليهم أن يذيعوه وما لا ينبغي ، حتى أُفرغ البرنامج من مضمونه وبات مجرد شكوى عن مطب شارع لم يبن هنا ، أو مكب نفايات لم يردم هناك ! .. وقد يقول قائل ان بعض مقدمي البرنامج هم من تسبب في ذلك بسبب انحيازهم الأعمى للمواطن على حساب المهنية ، وسأقول أن هذا كلام حق يراد به باطل .. فبالتأكيد كان ثمة أكثر من حل لهذه "المعضلة" أفضل من اطلاق رصاصة الرحمة على البرنامج .
الفرصة الثالثة كانت في الأسبوع الماضي ، فبعد يومين من التخبط الناجم عن مباغتة الاعتصامات له قرر الاعلام العماني اذاعةً وتليفزيونا أن يكون في مستوى الحدث .. فخصص مساحة كبيرة من بثه النهاري لمواكبة هذا الحدث ومحاورة مثقفين ومواطنين حوله وتقديم صورة كاملة تغطي الرأي والرأي الآخر ، وسأتحدث هنا عن الاذاعة بحكم متابعتي ومشاركتي في تغطيتها والتي يبدو أنها نجحت الى حد كبير لدرجة أنني سمعتُ كثيرا من التعليقات المندهشة من الجرأة التي تناولت بها الاذاعة هذه الأحداث .. ولكن ماذا حدث في اليوم التالي ؟ .. قلصت الاذاعة تغطيتها من ست ساعات الى اثنتين ، ومن مكالمات مباشرة على الهواء ، إلى مسجلة وخاضعة للرقابة المسبقة !! .. فضاعت الفرصة مرة أخرى لمصالحة المواطن العماني على اعلامه ..
أكتب هذه السطور الآن وعلى بعد أمتار مني الكاتب حسين العبري الذي يعتصم أمام وزارة الإعلام احتجاجا على اجتزاء التليفزيون لمقابلته الطويلة مع برنامج "هنا عُمان" بصفته ممثلاً للمعتصمين ، بناء على وعد التليفزيون له ، فإذا بالبرنامج يختصر المقابلة التي اقتربت من ساعة كاملة في عشرين دقيقة فقط أخذ منها القائمون على التليفزيون ما أرادوه من رسائل ورموا الباقي للريح ، في خطوة لا تنم عن أي مهنية أو أخلاق إعلامية .. إن مثل هذا التخبط الإعلامي الذي تعاني منه وسائل إعلامنا الرسمية ( وكثير من المؤسسات الإعلامية الخاصة ) يفجر أسئلة ممضة من قبيل : من هو هذا الذي يقف وراء الاعلام العماني الذي كلما رآه تقدم خطوة للأمام أصر على جره خطوتين للخلف ؟! .. ألم يلتف العمانيون حول اذاعتهم وتليفزيونهم في أزمة إعصار جونو عندما وجدوهما معبرين عن همّ الوطن والمواطن ؟ .. كم يلزمنا من الوقت لندرك أن هذا ليس عصر تعتيم ، ولا عصر وصاية ، وأن ما لا يجده العماني في قناته سيجده في الانترنت وعشرات القنوات الأخرى ؟! ..
أسئلة كثيرة كهذه مازلت تترنح في الفضاء الرحب بحثا عن اجابة ! .