السبت، 27 أغسطس 2011

أطمع في قليل من زمن الجميع




لا يمكن النظر إلى المطالبة بإغلاق صحيفة "الزمن" اليوم بمعزل عن المشهد العماني العام الذي شهد خلال الفترة الماضية العديد من الانتهاكات لحرية التعبير لأسباب في مجملها الأعم غير مبررة .. فإذا كنا نسلم بحق أي مواطن ، مسؤولاً كان أم غير ذلك ، باللجوء إلى القضاء لاستعادة ما يرى أنه حقه ، فإننا نندهش فيما يخص قضية "الزمن" من ترك القضية الأم التي تتعلق بتظلم موظف ضد مسؤوليه ، والانحراف إلى قضايا فرعية تضرب في الصميم مبدأ يكفله النظام الأساسي للدولة والقوانين الدولية ألا وهو حرية الصحافة والتعبير ، حتى وان كان هذا المبدأ غير محمي للأسف من قبل سيء الذكر قانون المطبوعات والنشر الذي سُنَّ على ما يبدو لزمن آخر غير هذا "الزمن" ، والذي كان تغييره أحد أهم مطالبات الإعلاميين الذين اعتصموا أمام وزارة الإعلام في شهر مارس الماضي .. المدهش الذي لم يعد مدهشاً لفرط تكرره أن يهرع "ممثل المجتمع" بكل حيوية ونشاط لتبني القضايا التي تكون مرفوعة ضد كاتب أو صحفي أو ناشط حقوقي، في حين تتعثر خطواته وتتباطأ عندما تكون مرفوعة ضد مسؤول ، حتى وان بلغ عدد رافعي القضية عدة آلاف ، واجداً – هذا الممثل - لهذه ولتلك مبرراته القانونية الجاهزة ، متناسيا أن قبول المجتمع لأي مؤسسة حكومية تدعي تمثيله يكون مرهونا بمدى نجاح هذا المؤسسة في التعبير الحقيقي عن المجتمع ونبضه وهمومه .
لستُ هنا في صدد تقييم "الزمن" التي مرت على مدى سنواتها الأربع بلحظات مد وجزر ، إلا أنني سأقول إن الإضافة الأبرز التي أضافتها هذه الصحيفة للصحافة العمانية من وجهة نظري هي تكريسها للخبر المختلف عن ذلك الذي اعتدنا عليه لسنوات وسنوات في الصحف الأخرى التي سبقتها حكومية كانت أم خاصة .. في عدد من تحقيقاتها وسبوقاتها الصحفية حاولت الزمن أن تذكرنا بصفة عادة ما تطلق على الصحافة في العالم هي "السلطة الرابعة" التي تمارس دورها في بناء المجتمع من خلال كشف الفساد وفضحه والوقوف مع المظلومين في قضاياهم العادلة . كان سقف الحرية في هذه الصحيفة بالذات مرتفعا نسبيا أكثر من الصحف التي سبقتها، شخصيا اختبرت ذلك من خلال سلسلة "يوميات عارف البرذول" التي نشرتُها عامي 2008 و2009 متخلياً بعض الشيء عن رقيبي الداخلي الذي ساهم في تشكيله ضمن عوامل أخرى متعددةٍ السقفُ المنخفض من الحرية لدى الصحف الأخرى .
وإذا كانت "الزمن" قد حظيتْ اليوم بدعم وتضامن العديد من الكتاب والصحفيين والفنانين والأدباء وممثلي المجتمع المدني خلال هذه القضية ، علاوة على منظمات دولية مهتمة بحرية التعبير ، فلأن هؤلاء يدركون جميعاً أن تقدم أي دولة أو مجتمع مرهون بمدى ازدهار الصحافة الحرة وقدرتها على النبش والمساءلة ، منطلقة من واجبها الوطني وحسها الإنساني .. ورغم أن البعض قد لا يستسيغ مقارنتنا مع غيرنا في ما يخص الحريات بشكل عام وحرية الصحافة بشكل خاص ، على اعتبار أن لنا "خصوصيتنا العمانية " التي ننطلق منها ، إلا أنه من ذا الذي يستطيع أن ينسى أن تحقيقا صحفياً في دولة متقدمة كالولايات المتحدة أرغم رئيسها ريتشارد نيكسون على الاستقالة ؟! .. وما هو بالأمر المستغرب إذا علمنا أن حرية التعبير عادة متأصلة هناك دعا إليها أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن ، وشدد أنه " اذا سُلِبنا حرية التعبير عن الرأي فسنصير مثل الدابة البكماء التي تقاد الي المسلخ".. أما نحن فمن المؤسي أن يكون لسان حالنا اليوم عبارة أخرى للفيلسوف الروماني سيوران ، حتى وان كان قد كتبها في سياق آخر مختلف تماما : "أنا ممنوع من الزمن. ولما كنتُ عاجزاً عنْ متابعة إيقاعه فإني أتعلقُ بتلابيبه أو أتأمله. لكني لستُ فيه البتة. كما أنه ليسَ فـيَّ .. وعبثاً أطمعُ في قليل من زمن الجميع".



* نشرت في صحيفة الزمن بتاريخ 27 أغسطس 2011 ضمن أكثر من عشرين مقالا تضامنيا مع الصحيفة ، عشية الجلسة الثانية من محاكمتها يوم 28 أغسطس 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق