السبت، 27 أغسطس 2011

أطمع في قليل من زمن الجميع




لا يمكن النظر إلى المطالبة بإغلاق صحيفة "الزمن" اليوم بمعزل عن المشهد العماني العام الذي شهد خلال الفترة الماضية العديد من الانتهاكات لحرية التعبير لأسباب في مجملها الأعم غير مبررة .. فإذا كنا نسلم بحق أي مواطن ، مسؤولاً كان أم غير ذلك ، باللجوء إلى القضاء لاستعادة ما يرى أنه حقه ، فإننا نندهش فيما يخص قضية "الزمن" من ترك القضية الأم التي تتعلق بتظلم موظف ضد مسؤوليه ، والانحراف إلى قضايا فرعية تضرب في الصميم مبدأ يكفله النظام الأساسي للدولة والقوانين الدولية ألا وهو حرية الصحافة والتعبير ، حتى وان كان هذا المبدأ غير محمي للأسف من قبل سيء الذكر قانون المطبوعات والنشر الذي سُنَّ على ما يبدو لزمن آخر غير هذا "الزمن" ، والذي كان تغييره أحد أهم مطالبات الإعلاميين الذين اعتصموا أمام وزارة الإعلام في شهر مارس الماضي .. المدهش الذي لم يعد مدهشاً لفرط تكرره أن يهرع "ممثل المجتمع" بكل حيوية ونشاط لتبني القضايا التي تكون مرفوعة ضد كاتب أو صحفي أو ناشط حقوقي، في حين تتعثر خطواته وتتباطأ عندما تكون مرفوعة ضد مسؤول ، حتى وان بلغ عدد رافعي القضية عدة آلاف ، واجداً – هذا الممثل - لهذه ولتلك مبرراته القانونية الجاهزة ، متناسيا أن قبول المجتمع لأي مؤسسة حكومية تدعي تمثيله يكون مرهونا بمدى نجاح هذا المؤسسة في التعبير الحقيقي عن المجتمع ونبضه وهمومه .
لستُ هنا في صدد تقييم "الزمن" التي مرت على مدى سنواتها الأربع بلحظات مد وجزر ، إلا أنني سأقول إن الإضافة الأبرز التي أضافتها هذه الصحيفة للصحافة العمانية من وجهة نظري هي تكريسها للخبر المختلف عن ذلك الذي اعتدنا عليه لسنوات وسنوات في الصحف الأخرى التي سبقتها حكومية كانت أم خاصة .. في عدد من تحقيقاتها وسبوقاتها الصحفية حاولت الزمن أن تذكرنا بصفة عادة ما تطلق على الصحافة في العالم هي "السلطة الرابعة" التي تمارس دورها في بناء المجتمع من خلال كشف الفساد وفضحه والوقوف مع المظلومين في قضاياهم العادلة . كان سقف الحرية في هذه الصحيفة بالذات مرتفعا نسبيا أكثر من الصحف التي سبقتها، شخصيا اختبرت ذلك من خلال سلسلة "يوميات عارف البرذول" التي نشرتُها عامي 2008 و2009 متخلياً بعض الشيء عن رقيبي الداخلي الذي ساهم في تشكيله ضمن عوامل أخرى متعددةٍ السقفُ المنخفض من الحرية لدى الصحف الأخرى .
وإذا كانت "الزمن" قد حظيتْ اليوم بدعم وتضامن العديد من الكتاب والصحفيين والفنانين والأدباء وممثلي المجتمع المدني خلال هذه القضية ، علاوة على منظمات دولية مهتمة بحرية التعبير ، فلأن هؤلاء يدركون جميعاً أن تقدم أي دولة أو مجتمع مرهون بمدى ازدهار الصحافة الحرة وقدرتها على النبش والمساءلة ، منطلقة من واجبها الوطني وحسها الإنساني .. ورغم أن البعض قد لا يستسيغ مقارنتنا مع غيرنا في ما يخص الحريات بشكل عام وحرية الصحافة بشكل خاص ، على اعتبار أن لنا "خصوصيتنا العمانية " التي ننطلق منها ، إلا أنه من ذا الذي يستطيع أن ينسى أن تحقيقا صحفياً في دولة متقدمة كالولايات المتحدة أرغم رئيسها ريتشارد نيكسون على الاستقالة ؟! .. وما هو بالأمر المستغرب إذا علمنا أن حرية التعبير عادة متأصلة هناك دعا إليها أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن ، وشدد أنه " اذا سُلِبنا حرية التعبير عن الرأي فسنصير مثل الدابة البكماء التي تقاد الي المسلخ".. أما نحن فمن المؤسي أن يكون لسان حالنا اليوم عبارة أخرى للفيلسوف الروماني سيوران ، حتى وان كان قد كتبها في سياق آخر مختلف تماما : "أنا ممنوع من الزمن. ولما كنتُ عاجزاً عنْ متابعة إيقاعه فإني أتعلقُ بتلابيبه أو أتأمله. لكني لستُ فيه البتة. كما أنه ليسَ فـيَّ .. وعبثاً أطمعُ في قليل من زمن الجميع".



* نشرت في صحيفة الزمن بتاريخ 27 أغسطس 2011 ضمن أكثر من عشرين مقالا تضامنيا مع الصحيفة ، عشية الجلسة الثانية من محاكمتها يوم 28 أغسطس 2011

الاثنين، 1 أغسطس 2011

ترتيب حلقات كتاب أعجبني في رمضان

كل رمضان وأنتم بخير :

من أراد متابعة حلقات برنامج "كتاب أعجبني" في رمضان ، هذا كشف بأسماء الكتب التي سيتناولها البرنامج مع أسماء قرائها حسب ترتيب إذاعة الحلقات .. علما أن البرنامج يذاع يوميا على أثير إذاعة سلطنة عمان / البرنامج العام في الواحدة وعشر دقائق ظهرا ، ويعاد في الثامنة وخمس وأربعين دقيقة مساء ، ثم في الثانية وخمس وأربعين دقيقة من صباح اليوم التالي .

تاريخ البث الكتاب المؤلف الضيف
1 رمضان عمان: الديمقراطية الإسلامية د. حسين غباش الأديب أحمد الفلاحي
2 رمضان ترميم الذاكرة د. حسن مدن الأديب والسينمائي عبدالله حبيب
3 رمضان الاستشراق ادوارد سعيد د. محمد الشحات
4 رمضان صائد اليرقات أمير تاج السر الكاتبة هدى الجهوري
5 رمضان رحلة إلى مسقط
عبر الخليج ماكس أوبنهايم الصحفي سالم الرحبي
6 رمضان هل المثقفون في أزمة د. زكي ميلاد أ/ أحمد الغافري
7 رمضان مهارات اقتصادية زيد الرماني الباحث الاقتصادي أحمد سعيد كشوب
8 رمضان العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية . لويس سبولفيدا الباحث أحمد الراشدي
9 رمضان القاهرة سيف الرحبي الشاعر والصحفي خالد حريب
10 رمضان اشفِ نفسك ذاتيا لويزا خي الإعلامية :
ليلى أولاد ثاني
11 رمضان مغامرات عماني في أدغال أفريقيا حميد بن محمد المرجبي د. محمد المحروقي
12 رمضان تفكيرنا بين النمط السقيم والمنهج السليم إبراهيم كشت أ/ محمد الكندي
13 رمضان رقص الجزيئات تيد سرجنت الكاتب صالح الفلاحي
14 رمضان العمى خوسيه ساراماغو الشاعر عبدالله الكلباني
15 رمضان مقالة العبودية الطوعية ايتيان دي لابويسي الكاتب والباحث سعيد الهاشمي
16 رمضان التنمية ، الأسئلة الكبرى د. غازي القصيبي أ/ خالد البسامي
17 رمضان بهجة الزمن في تاريخ اليمن يحيى بن الحسين بن القاسم د.عبدالله الحراصي
18 رمضان السلطة في الإسلام عبدالجواد ياسين الكاتب والباحث خميس العدوي
19 رمضان السنة النبوية بين أهل الفقه والحديث محمد الغزالي الإعلامي زاهر المحروقي
20 رمضان الشيخ ناصر بن راشد المنذري .. حياته وآثاره د. عبدالله بن راشد السيابي الشاعر سماء عيسى
21 رمضان مقال في المنهج رينيه ديكارت د. غالب المطلبي
22 رمضان ما التاريخ الآن ؟ مجموعة مؤلفين أ/ سعيد الطارشي
23 رمضان خرافة التقدم والتأخر د. جلال أمين أ/ خالد الغافري
24 رمضان متلازمة النشاط الزائد .. الاندفاعية وتشتت الانتباه عوني معين وعمرو نافع المدونة أميرة اليعربي
25 رمضان نشأة الزخرفة وقيمتها فوزي عفيفي الفنان التشكيلي يوسف البادي
26 رمضان عقل جديد كامل .. لماذا سيحكم المبدعون المستقبل دانيال بينك الشاعر علي الرواحي
27 رمضان سادنات القمر محمد العباس الشاعر ابراهيم سعيد
28 رمضان برقوق نيسان غسان كنفاني الصحفي عاصم الشيدي
29 رمضان سيكولوجيا الإنسان المهدور مصطفى حجازي الكاتب ناصر الغيلاني
30 رمضان ماركو فالدو ايتالو كالفينو عبدالعزيز بركة ساكن

الأربعاء، 27 يوليو 2011


حلقات جديدة من "كتاب أعجبني" في رمضان


يعود البرنامج الإذاعي اليومي "كتاب أعجبني" إلى خريطة برامج إذاعة سلطنة عمان خلال دورة شهر رمضان المبارك ليقدم لعشاق القراءة مجموعة جديدة من الكتب المتنوعة التي اختارها عدد من المثقفين والمهتمين بالقراءة العمانيين والعرب .. وكان البرنامج قد بث أولى حلقاته في دورة أكتوبر 2010 ، وقدم عشرات الكتب في شتى صنوف المعرفة هادفاً - كما يقول مقدمه سليمان المعمري - إلى أن يكون وسيطاً بين المستمع والقارئ والكتاب الذي يتحدث عنه ، حيث يدور حوار بين هذا القارئ ومقدم البرنامج الذي يحاول خلال ربع ساعة الظفر بأهم المعلومات عن الكتاب ومضمونه ومؤلفه ليكون محفزا للمستمعين على قراءة الكتاب .. البرنامج من إخراج حمد الحبسي ، وسيبث يوميا في الواحدة وعشر دقائق ظهرا ، ويعاد في الثامنة وخمس وأربعين دقيقة مساء ، ثم في الثانية وخمس وأربعين دقيقة من صباح اليوم التالي .

كتب عمانية :

وتشمل المجموعة الجديدة التي ستبث في رمضان عددا من الكتب العمانية أو التي تناولتْ عُمان .. منها كتاب "عُمان والديمقراطية الإسلامية" للباحث حسين غباش والذي سيتحدث عنه الأديب أحمد الفلاحي موضحا التجربة الديمقراطية الإسلامية في عُمان كما وردت في الكتاب ، مسلطاً الضوء على تجربة حكم انفردت باستئناف العمل بنظام الشورى القائم على مبدأ الإجماع والتعاقد، بعد دولة الخلافة، وامتدت أكثر من ألف عام لتمثل بذلك المرجعية التاريخية الوحيدة لنظام الديمقراطية العربية الإسلامية. وقد عمد غباش إلى دراسة هذه التجربة الاستثنائية من حيث خصائصها الفكرية والسياسية ونشأتها المبكرة ومن ثم بحث في مقومات استمرارها. وتعتبر دراسته هذه مساهمة خاصة في الفكر العربي الإسلامي، إلى جانب أنها تقدم قراءة جادة ومعمقة لتاريخ هذه المنطقة.
ومن الكتب الأخرى التي سيتناولها البرنامج كتاب "مغامرات عُماني في أدغال أفريقيا " الذي يسرد سيرة حمد بن محمد المرجبي ، المغامر العماني الذي كان له نفوذ قوي في أفريقيا وتاجَرَ في العاج وقاد المستكشفين الأوروبيين إلى ينابيع النيل .. وسيسلط مترجم الكتاب د. محمد المحروقي الأستاذ بجامعة السلطان قابوس والمشتغل على التأثير الثقافي والأدبي للوجود العُماني في شرق أفريقيا الضوء على الحقبة التاريخية التي عاش فيها المرجبي وصلاته القوية ببعض القبائل الأفريقية مما ساعد على نجاح تجارته وتقوية نفوذه حتى أن كثيرا من المستكشفين الأوروبيين للقارة الأفريقية نعموا بالحماية التي وفرها لهم واثبتوا ذلك في مراسلاتهم للجمعيات التي ينتمون إليها ..
ومن الكتب العمانية التي سيتم تناولها في البرنامج أيضا كتاب "القاهرة أو زمن البدايات" للشاعر سيف الرحبي الذي صدر مؤخرا عن دار الفرقد السورية بالتعاون مع النادي الثقافي .. وسيتحدث الشاعر والصحفي المصري خالد حريب عن هذا الكتاب الذي يتضمن مقالات أدبية أرادها الرحبي نصّاً مفتوحاً على المكان والزمان معاً، مؤكّداً أن للمكان القاهري «سلطة عاطفية لم تنضب مع مرور الزمان العاصف، وإن خفّت حدّتها». ذلك أن «نصّ الإقامة القاهرية ظلّ متماسكاً ومضيئاً في ذاكرة سيف الرحبي ، وظلّ يمارس طغيانه العاطفي «الماضوي» رغم تغيّر الأحوال و(فساد الزمان كما يقول في أحد مقالات الكتاب .
أما الشاعر سماء عيسى فسيتناول في إحدى حلقات البرنامج سيرة القاضي والفقيه والشاعر العماني الراحل الشيخ ناصر بن راشد المنذري التي صدرتْ مؤخراً في كتاب حمل عنوان "الشيخ ناصر بن راشد المنذري ، حياته وآثاره" جمع مادته وحررها وأعدها للنشر الدكتور عبدالله بن راشد السيابي ، وسيركز سماء عيسى على أشعار ورسائل الشيخ أثناء غيابه عن أهله منوهاً بقيمتها الأدبية والتاريخية .
وإذا كان كتاب "بهجة الزمن في تاريخ اليمن " للمؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم يتناول التاريخ اليمني كما يتبدى من العنوان فان سبب اختيار الدكتور عبدالله الحراصي لهذا الكتاب في البرنامج هو اشتماله على تاريخ حقبة مهمة في التاريخ العماني كذلك وهي فترة حكم اليعاربة وطرد البرتغاليين في عهد الإمام سلطان بن سيف الأول ، وهي الفترة التي أهملها المؤرخون العمانيون للأسف ولم يرد عنها في كتبهم التاريخية إلا النزر اليسير الذي لا يشبع نهم قارئ للتاريخ .. وهو على ما يبدو نفس سبب اختيار الصحفي سالم الرحبي لكتاب "رحلة إلى مسقط عبر الخليج" الذي يوثق فيه الرحالة وعالم الآثار والدبلوماسي الألماني ماكس أوبنهايم رحلته إلى مسقط عام 1893 في عهد السلطان السيد فيصل بن تركي ، واصفاً أسواق مسقط وبيوتها وضواحيها ، ومتحدثا – ربما للمرة الأولى في الرحلات الأوربية كما يرى الرحبي – عن أهمية مطرح التجارية جنبا إلى جنب مع مسقط ، إلا أن الرحبي يأخذ على المؤلف عدم دقته في بعض المعلومات التي أوردها في الكتاب والتي تنم عن أن أوبنهايم استقاها من قراءاته لا مشاهداته .

كتب فكرية :

كما ستتناول الحلقات الرمضانية من "كتاب أعجبني" مجموعة من الكتب الفكرية والدرسات المعمقة ، يأتي في مقدمتها كتاب "الاستشراق" الشهير لادوارد سعيد الذي اختاره للحديث عنه الأكاديمي المصري محمد الشحات أستاذ النقد الأدبي بجامعة نزوى ، حيث سيركز على أهمية هذا الكتاب الذي رغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على صدوره إلا أنه مازال إلى اليوم يثير الجدل والنقاش في الأوساط الثقافية العالمية ، وهو كتاب يحمل طابع ثقافة ادوارد سعيد الأدبية والفكرية ، وجمع مختلف التيارات الأدبية والتاريخية التي تناولت موضوع الشرق العربي، في محاولة جادة لكشف نقاط الخلل، في تلك المواقف الاستشراقية التي تركز علي حرية الخيال الأوروبي، والذي أدى في النهاية إلى سوء فهم العمليات التاريخية للمشرق العربي. ، كما سيعرج الشحات على كتاب "تعقيبات على الاستشراق" الذي صدر بعد حوالي خمسة عشر عاما من صدور "الاستشراق" وحوى إجابات سعيد على بعض الأسئلة التي طرحت حوله وحوارا مطولا مع مؤلف "الاستشراق" أجراه محرر الكتاب الناقد صبحي حديدي .
ومن الكتب الفكرية والبحثية أيضا كتاب "ما التاريخ الآن؟" الذي يضم عدة أوراق بحثية عن ماهية التاريخ ، وصدر عام 2002 بمناسبة مرور أربعين عاما على صدور كتاب ادوارد كار "ما التاريخ؟" الذي يعتبر بدوره أحد الكتب المهمة التي درست ماهية التاريخ خاصة بعد فترة ركود في التأليف التاريخي أعقبت الحربين العالميتين الأولى والثانية .. سيعرض فصولَ هذا الكتاب الباحثُ سعيد الطارشي محاولا الإجابة على بعض الأسئلة التي طرحتْها أوراق الكتاب البحثية من قبيل : ما التاريخ الديني الآن ؟ ، وما التاريخ السياسي الآن ؟ ، وما التاريخ الثقافي الآن ؟.
كذلك سيتطرق البرنامج إلى دراسة المفكر المصري عبدالجواد ياسين "السلطة في الإسلام" التي لم يقْصُر مؤلفها فيها الحديث عن السلطة فحسب ولكنه ولج كذلك إلى العقل الفقهي السلفي - العقل المكوِّن لفلسفة السلطة كما نعرفها ونراها اليوم، بل العقل المكوِّن للعقل الإسلامي الجمعي إذا صح التعبير - وقدم إليه بكل جرأة ناقدا ومحللا. سيقرأ هذا الكتابَ الباحثُ خميس بن راشد العدوي ، منوّهاً بأهميته ، وبدعوته إلى وقفات جدية ومراجعة شاملة للمنهج والتصور الذي عمل به المسلمون في علم الأصول، فيأخذنا إلى مكامن فكرية جديدة بهدف إعادة تشكيل وتصحيح بعض الإشكالات الأصولية - كما يرى - متخذا تصحيح بعض المصطلحات و المفاهيم مدخلا لذلك، فيعيد تعريف مصطلحات كـ "الإسلام" و"السلف" و"النَّص" و"الإلزام" و "السنة". ثم يقدم مراجعة شاملة لتصورات خاطئة استقر عليها عقل المسلم في القرون العشرة الأخيرة بسبب السلطة أو نتاج قهرها.. وإذا كان هذا الكتاب يمجّد التجديد في الفكر الفقهي فان التجديد نفسه هو الذي حدا بالإعلامي زاهر بن حارث المحروقي إلى اختيار كتاب "السنة النبوية بين أهل الفقه والحديث" للمفكر والداعية المصري محمد الغزالي ، الذي يعتبره المحروقي أحد المجددين في الفقه الإسلامي المعاصر .. وهو كتاب أثار لدى صدوره الكثير من الجدل بين المشتغلين بالفقه ، وأُلِّفتْ العديد من الكتب في الرد عليه .. وقد ركز زاهر في استعراضه لهذا الكتاب على آراء الغزالي في القدر والجبر والمرأة وأحاديث الفتن وغيرها من المواضيع التي تناولها الكتاب .
ومن الكتب الفكرية التي سيتناولها البرنامج أيضا كتاب "مقالة العبودية الطوعية" للمفكر الفرنسي إيتيان ديلا بويسي الذي يوصف بأنه نشيد للحرية الإنسانية في أنصع تجلياتها.. وهو كتاب يستند على مقالة قصيرة لا تتجاوز ثماني صفحات ، ولكنها أثارت الجدل والاهتمام على مدى قرون منذ كتابتها قبل نحو خمسمائة عام .. ورغم مرور هذه المدة الطويلة إلاّ أن أياً من الفلاسفة والمفكرين لم يستطيعوا تجاوز هذه المقالة التي كتبت عام 1648 ، وتجاوُزِ أفكارها، وهو ما يلاحظ في حجم وكم التعليقات والهوامش الكثيرة التي تناولتها .. هذه المقالة صدرتْ مؤخراً في كتاب مع عدد من البحوث التي كُتِبتْ حولها ، نشرته المنظمة العربية للترجمة عام 2009 .. وسيتناوله في البرنامج الكاتب والباحث سعيد بن سلطان الهاشمي الذي سيتحدث عن أهمية هذه المقالة التي تنطلق من كون إرادة الناس هي مصدر الحرية ومصدر العبودية في نفس الآن . وهي الفكرة التي مهد استيعابها تطوير حقل دراسة الحركات الاجتماعية وأشكال المقاومة المدنية في العقود الأخيرة .
في الفترة نفسها التي كُتِبت فيها "مقالة العبودية الطوعية " ، أي في النصف الأول من القرن السابع عشر ، ظهر مقال آخر لا يقل أهمية لمفكر فرنسي آخر ، ألا وهو "مقال في المنهج" الكتاب الشهير للفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت المعروف لدينا بعبارته الشهيرة "أنا أفكر إذن أنا موجود" ، هذا الكتاب الذي يعد البيان الأول لعصر النهضة الأوربي سيتناوله في البرنامج الناقد والأكاديمي العراقي غالب المطلبي ، والذي سينوه بأهمية الفترة الزمنية التي عاشها ديكارت والتي ظهر فيها في نفس الوقت تقريبا جاليليو في ايطاليا ، وكبلر في ألمانيا ، وفرانسيس بيكون في انجلترا ليقودوا في تناغم عجيب وبدون اتفاق مسبق النهضة الفكرية في أوربا .. كان هؤلاء ذوي عقول تعمل بشكل مختلف عن بقية الناس ، كتلك العقول التي تحدث عنها كتاب آخر سيتم تناوله في "كتاب أعجبني" هو كتاب " عقل جديد كامل " لدانيال اتش بينك الذي سيستعرضه الشاعر علي الرواحي مبينا أن عصر سيطرة الجانب الأيسر من المخ قد ولى ، وأن المستقبل سيكون ملكاً لأشخاص من نوع مختلف، لديهم عقول من نوع مختلف، وهو كتاب يأخذ القارئ إلى مكان جديد جريء، ويقدم طريقة جديدة وملحة للتفكير في مستقبل جاء بالفعل. .
وإذا كان سؤال "لماذا يحكم المبدعون المستقبل" هو عنوان فرعي لكتاب دانيال اتش بينك "عقل جديد كامل" فان السؤال هو عنوان رئيسي لكتاب الباحث السعودي زكي ميلاد المعنون: "هل المثقفون في الأزمة؟" الذي سيقرؤه في البرنامج أحمد بن محمد الغافري أحد مؤسسي مبادرة "مدينتي تقرأ" بالرستاق .. وسيوضح الغافري أن سؤال ميلاد ليس حياديا كما يتبدى للوهلة الأولى من العنوان لأن المتعمق في قراءة الكتاب سيجد إدانة كبيرة للمثقف الذي تخلى عن دوره التنويري لأسباب مختلفة ، ويحلل الكاتب صورة المثقف لدى أكثر من مفكر عربي كادوارد سعيد وعلي حرب ومحمد عابد الجابري وغيرهم .

كتب أدبية :

عشاق الكتب الأدبية سيستمتعون بعدة حلقات تتحدث عن روايات وقصص وسير ذاتية اختارها قراؤها لما تمثله من أهمية أدبية .. من هذه الكتب كتاب "ترميم الذاكرة" للكاتب والناقد البحريني حسن مدن ، وهو كتاب سيرة ينطلق من الذاتي إلى العام ، ويصفه مؤلفه بأنه "تأريخٌ لغربة قسرية طويلة، امتدت لأكثر من ربع قرن" ، يصور هذا الكتاب حنين الكاتب لوطن غادره شابا يافعاً وعاد إليه وهو على مشارف الخمسينيات ،كان تقدير حسن مدن – كما يقول في أحد حواراته الصحفية - أنه بمجرد عودته إلى الوطن سيشفى من هذا الحنين لأن سببه قد زال ، فإذا به يكتشف أن الحنين ليس فقط إلى المكان، وإنما إلى الأزمنة التي ارتبطت في ذاكرته وهو بعيد عن المكان، هو حنين للفترة الزمنية التي كان فيها هذا المكان يمثل في ذهنه شيئاً مختلفاً مفتقداً .. هذا الكتاب سيتناوله في البرنامج الأديب والسينمائي عبدالله حبيب الذي سيتحدث عن تأثير المدن التي وزع فيها حسن مدن غربته على مدار نحو ربع قرن، عليه كاتبا وإنسانا ، وهي القاهرة، وبغداد، وبيروت، ودمشق ، وموسكو ، والشارقة ، مؤكدا - حبيب - أن أشد ما أثر فيه في هذا الكتاب هو تلقي المؤلف وهو في غربته البعيدة خبر وفاة أبيه وأمه معاً في ظرف أسبوع واحد فقط . وقد أكد حبيب على ثقافة مدن العالية التي تتجلى في هذه الكتاب من خلال استشهاداته بالأعمال الأدبية والفكرية العربية والعالمية ، محصيا – أي حبيب – 57 إحالة أدبية ، منها إحالات لشاعر داغستان الكبير رسول حمزاتوف صاحب الكتاب الشهير "بلدي" الذي سيكون بدوره موضوع حلقة أخرى من "كتاب أعجبني" تسلط فيها الشاعرة بدرية العامري الضوء على هذا الكتاب المليء بالحكم وتجارب الحياة ، ويقدم فيه حمزاتوف صورة ناصعة لبلده داغستان بأهلها وتراثها وأغانيها وأمثالها الشعبية ، في لغة آسرة مغلفة بالحكمة والتأمل .. ورغم أن غلاف الطبعة العربية من هذا الكتاب قد صنفه ناشره بأنه "رواية" إلا أنه من الصعب الجزم بذلك ، فـ"بلدي" مختلف كثيرا عن الروايات العالمية التي نعرفها، كرواية "العمى" مثلا للبرتغالي الحائز على نوبل خوسيه ساراماجو .. والتي تعد أهم روايات ساراماجو وسيتناولها في البرنامج الشاعر عبدالله الكلباني .. تتحدث هذه الرواية عن وباء سريالي يهبط فجأةً على مدينة غير محددة, في زمان ما... و هذا الوباء يخطف من المصابين به حاسة البصر، حيث يتحوّلون فجأة إلى عميان .. سيتناول الكلباني في حديثه عن هذه الرواية الأسلوب الخاص بساراماجو , المتميّز بجمله الطويلة ومقاطع ومشاهد قد تتجاوز بطولها حجم فصول من روايات كتّاب آخرين, وأسلوب البعد عن علامات الترقيم إلا الفاصلة والنقطة في نهاية المقطع، وهو أسلوب يحتاج إلى عدّة صفحات من القراءة حتى يستطيع من لم يعتد عليه الدخول في ديناميكيته المتفردة ، أسلوب يختلف بالتأكيد عن أسلوب الروائي التشيلي لويس سبولفيدا صاحب "العجوز الذي كان يقرأ الروايات العالمية" ، هذه الرواية التي سيعرضها في البرنامج الباحث أحمد الراشدي متحدثاً عن افتتانه بأجوائها ، وعن إعجابه بمؤلفها الذي لم يؤثّر كونه ناشطاً بيئيا في الواقع على فنية روايته التي تصب في نفس الإطار .. إن نجاح سبولفيدا في تصوير تمزق العجوز بين حبه للحيوانات وبين مساعدته أهل إحدى القرى في القضاء على أنثى الفهد البري ، يدل على أن الرواية فن أدبي مهم لا يمكن أن يكتبه أيٌّ كان ، وهو عكس ما تومئ إليه رواية "صائد اليرقات" للسوداني أمير تاج السر ، التي كانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية لعام 2011 ، والتي أراد بطلها ضابط الأمن المتقاعد استغلال وقت فراغه بكتابة رواية ! ، متشجعاً من نجاح بائع ورد بنغالي وبائعة هوى فييتنامية في كتابة روايتين تحصدان نجاحا هائلا برغم عدم انتمائهما لعالم الأدباء والروائيين .. هذه الرواية (صائد اليرقات) ستسلط الضوء عليها الكاتبة هدى الجهوري وستتحدث عن نجاح تاج السر في تعرية عالم الأدباء والمثقفين في أسلوب ساخر وعميق .
ومن الكتب الأدبية التي سيتناولها البرنامج أيضا كتاب "برقوق نيسان" للأديب الفلسطيني غسان كنفاني ، والذي أعادت طباعته مؤخرا مجلة الدوحة الثقافية ، بمقدمة احتفائية لعزت القمحاوى ، مع دراسة نقدية للدكتور فيصل دراج ، وسيستعرض هذا الكتاب الصحفي عاصم الشيدي الذي سيسلط الضوء على الأهمية الأدبية لغسان كنفاني كواحد من الروائيين الذين استطاعوا التعبير عن القضية الفلسطينية بفنية عالية .

كتب أخرى متنوعة :

سيتناول البرنامج أيضا الكتاب الاقتصادي "مهارات اقتصادية" للخبير الاقتصادي السعودي زيد الرماني والذي يعرض سبع مهارات يمكن للمرء اكتسابها لكي يحسن دخله ، وسيتستعرض هذا الكتاب الباحث الاقتصادي أحمد سعيد كشوب الذي سيشدد على أهمية الادخار والمواءمة بين شراء السلع والحاجة إليها .. كما أن هناك كتابا علميا سيتناوله البرنامج هو "رقص الجزيئات .. كيف تغير التكنولوجيا النانوية من حياتنا" للعالم الأمريكي تيد سرجنت ، ويركز الكاتب فيه على أنّ كل الاختصاصات العلمية ابتداءً من الطب حتى الرقاقات المايكروية ستجتمع لابتداع مواد تستخدم أصغر المقاسات الممكنة، ألا وهي الجزيئة. وبدلاً من محاولة تخطي العالم الطبيعي، فإنّ التكنولوجيا النانوية تقتبس كل حركة تؤديها، من الهيكلية المتكاملة والرائعة للطبيعة ذاتها. أما إمكانياتها الكامنة، فتبدو لا نهائية مع مترتبات عملية كفيلة بإحداث ثورة في طرائق عيشنا وعملنا. وسيقوم الرواد من العلماء من خلال التلاعب بأدق كتل البناء في الطبيعة بتحسين نوعية الحياة للجميع بطريقة شديدة الأثر ، فيمكن عندها مثلا القضاء على مرض كالسرطان في مهده بالنانو ، أو استغلال الطاقة الشمسية في تزويد السيارات بالوقود بديلا للنفط .. سيستعرض هذا الكتاب الكاتب صالح الفلاحي وسيسرد قصة اهتمام العالم تيد سرجنت بالنانو وإمكانياته المذهلة .
أما الفنان التشكيلي يوسف البادي فسيسعرض كتاب "نشأة الزخرفة" لفوزي سالم عفيفي ، متحدثا عن تاريخ الزخرفة وقيمتها ومجالاتها . في حين سيقرأ خالد الغافري كتاب "خرافة التقدم والتأخر" للباحث المصري جلال أمين ، وهو الكتاب الذي يعمد إجمالا إلى هز فكرة يبدو أنها ترسخت في أذهان كثيرين منا لدرجة أننا أصبحنا نعدها من المسلمات ، هي فكرة التقدم والتأخر ، فمن الشائع لدى الكثيرين وصف دول أو أمم ما بأنها متقدمة، ووصف أخرى بأنها متأخرة، والإشكال أن هذا الوصف لا يقترن عادة بتحديد ميدان بعينه ، بل يطلق بصفة عامة ودون تمييز وكأن التقدم عام والتخلف في كل شيء (فيقال تلك دولة متقدمة وتلك متأخرة) .. جلال أمين يثير في كتابه هذا الكثير من الشكوك ويعتبر أن التقدم والتأخر هو خرافة من خرافات العصر الحديث ..
ومن الكتب التي سيتناولها "كتاب أعجبني" في دورته الرمضانية كذلك "سيكولوجية الإنسان المهدور" لمصطفى حجازي وسيستعرضه الكاتب ناصر الغيلاني ، وكتاب"اشفِ نفسك ذاتيا" لـ"لويزا خي" وستستعرضه الإعلامية ليلى أولاد ثاني ، وكتاب "وبدأ العد التنازلي" للدكتور مصطفى محمود وستستعرضه إيمان الشملي ، وكتاب "متلازمة النشاط الزائد ، الاندفاعية وتشتت الانتباه" لعوني عمر شاهين وعمر نافع وستستعرضه أميرة اليعربي ، وكتاب " التنمية، الأسئلة الكبرى" للدكتور غازي القصيبي وسيستعرضه خالد بن سالم البسامي ، وكتاب "تفكيرنا بين النمط السقيم والمنهج السليم" لإبراهيم كشت ، وسيستعرضه الشاعر محمد الكندي .

الثلاثاء، 5 يوليو 2011

عبور الجدران .. قراءة انطباعية في "طيور" يحيى المنذري "الزجاجية"




ليس الجدار هو الثيمة أو الكلمة الوحيدة التي لها حضور طاغ في معظم تجربة يحيى سلام المنذري ، فثمة أيضا الطيور والأطفال والسرير ، والشارع ، والباب واللوحة ، بالإضافة طبعا إلى ذلك الإنسان البسيط المهمش الباحث عن كوة نور في نفق الحياة المظلم .. غير أنه يمكن الاستناد عليه – أي على الجدار - بامتياز في مقاربة تجربة المنذري القصصية، ما دامت الجدران هي أول أشكال تنظيم الإنسان لحياته بعيدا عن قوانين الطبيعة ، حسب الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون ، وما دامت الحياة كلها هي المسافة التي يقطعها المرء بين جدارين أحدهما أبيض والآخر أسود كما يخبرنا يحيى ضمنياً من خلال عنوان إحدى قصص مجموعته الأخيرة .. ولذا فان هذه الورقة ستحاول جاهدة ما استطاعت تأمل جدران كتابة يحيى الشكلية والمضمونية من خلال تركيزها على "الطيور الزجاجية" وتعريجها الخجول على مجموعات يحيى الأخرى ، طارحة عددا من الأسئلة من قبيل : ما هي العوالم التي تلح على كتابة المنذري ؟ وما هي المضامين التي تتكرر لديه من مجموعة لأخرى ؟ والى أي مدى أثر عشقه للفن التشكيلي في كتابته القصصية ؟ وأسئلة أخرى يولدها التوغل في ثيمة الجدار ..
بدأ يحيى المنذري كتابة القصة منذ أكثر من عشرين عاما .. وإذا ما تخيلنا اليوم أن ثمة جداراً تعلق عليه صور الأسماء البارزة في المشهد القصصي العماني فإنها ليست مجازفة القول انه يصعب تخيّل هذا الجدار بلا صورة ليحيى ، بشاربه الخفيف الأليف ونظارته ذات العينين البيضاوين ، بطيوره الزجاجية المتراقصة حول رؤوس أبطاله ، ونافذتيه المطلتين على ذلك البحر البعيد ، بحبات برتقاله المنتقاة بدقة وزارعي غابته الأسمنتية الذين يطفئون حنينهم بالصور ، بـ"ضجيج بيته الكبير" الذي كاد أن يرمي به وحيدا بين أربعة جدران ضيقة لها حراسٌ يقدمون العدس.. ومنذ مجموعته الأولى "نافذتان لذلك البحر " ( مسقط ، 1993 ) ومرورا بـ"رماد اللوحة" ( دمشق .. 1999 ) و"بيت وحيد في الصحراء" (مسقط 2003 ) وليس انتهاء بـ"الطيور الزجاجية" ( دمشق 2011 ) والمنذري يسير بخطى بطيئة بعض الشيء ولكن واثقة في طريق القصة الشائك والطويل.
دعونا إذن نلج إلى بيت يحيى القصصي ، نتأمل جدرانه ، ونحصي غرفه ، ونتلصص على ساكنيه ، مرددين مع أنطوان سانت أكزوبيري : "إن أعجب ما في منزل ليس في أنه يؤويك أو يدفئك، أو في أنك تملك منه الجدران، ولكن في هذا الذي يضعه فينا من مؤن العذوبة"

تجليات الجدار :

أول سطر في "الطيور الزجاجية" يتحدث عن "جدران خشبية هادئة لأن الطقس لا يعكر صفوها بالرياح" ، وفتى "يحلم بركوب أرجوحة في حديقة خضراء طقسها بارد ومليء بالرذاذ" لكننا سرعان ما سنكتشف أنه ليس سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة ، فهذا الفتى في قصة "طائرة تبدد لون السماء" سيخرج بعد قليل مع أمه ليس لركوب أرجوحة ولا للتمرغ في خضرة حديقة بل لانتظار موكب لن يأتي ، تماما كانتظار الأب الذي غاب منذ سنوات ، لا بأس إذن من أن يخفف هذا المنتظِر من عطش المنتظرين الآخرين مقابل حفنة من المال يساعد بها أمه ، هؤلاء الذين شكلوا جداراً يمنعه من الرؤية " أخذ يبحث عن منفذ لرؤية الموكب ، كان الناس مثل أحجار رصت على الشارع" (ص10) .. هذه الثلاثية ( الفتى والأم والجدار الخشبي) ستتكرر بعد قليل في قصة أخرى هي "إنقاذ" ، ولعلها ليست مصادفة أيضا حضور الجدران الخشبية منذ السطر الأول في القصة .. ثمة امرأة تتعرض للأذى من زوجها السكير .. امرأة حبيسة الجدران التي يغلقها عليها هذا الزوج المتوحش بقفل أسود كبير .. غير أن الفتى، وبتحريض من أمه المتعاطفة مع هذه المرأة، سيوسع الجدار الخشبي ركلا ويحدث به تصدعاً وصولا إلى صنع فتحة كافية لمرور المرأة التي "كانت مثل حمامة جريحة وضعيفة ووحيدة تنتظر فتح باب القفص، حمامة لها ريش ملون ، لها عينان دامعتان " .. يحق لها الآن وقد تنسمت أنفاس الحرية أن تكفكف دموعها وتردد مع كافافي : " وما دامت لدي أشياء كثيرة أقوم بها في الخارج / فلِمَ لم أحاذر حين أخذوا يبنون حولي الجدران ؟! ".. ويحق لنا أن نعود إلى الوراء قليلا ونتذكر قصة "المروحة البشرية" ضمن مجموعة "زارعي غابة الاسمنت" التي شاء المنذري أن يضمنها داخل كتاب واحد مع مجموعة "بيت وحيد في الصحراء" حيث "يتدفق الضوء من ثقب صغير في الجدار الخشبي" ويتأمل الهندي ذرات الغبار المصطفة في بطن الضوء مكونة عصا ذهبية .
بيد أن الجدران ليست خشبية وحسب ، لذا فان الثلاثية سالفة الذكر ستتحول إلى ( الفتى والأم والجدار الأسمنتي ) في قصة ثالثة من "الطيور الزجاجية" هي "ليلة الخنجر".. تحمل الأم ولدها الصغير ناصر إلى عرس ما في بيت إسمنتي كبير أصفرِ اللون ، وما إن تشد الأم ابنها إلى داخل البيت حتى يشاهد على الجدار لوحة بها خنجر وأخرى بداخلها سيف فضي فيشعر بالخوف .. أهو خوف من الخنجر والسيف أم من الجدار ؟! .. شخصيا سأرجح الثانية ، وسأعضد هذا الرأي بالتقاء ناصر هناك ببعض أقاربه الذين كانوا من عمره ، وتذكُّره بأن حاجزاً / جداراً كبيرا زُرِع بينهم رغم مشاركته لهم اللعب والضحك والجري . ثم انه يتعمد الهروب من هذا الواقع الذي يخيفه فيغمض عينيه ويتخيل خناجر تتطاير وتنغرز في الجدران .. تسكره نشوة الانتصار على هذه الجدران في الخيال فيقرر تنفيذها في الواقع .. يسحب خنجر العريس الذي يبدي مقاومة شديدة ويمسك بيدي ناصر ويعصرهما بقوة صارخاً في وجهه أن تأدبْ ، وإذا ما أضفنا أنه تلقى تأنيبا وصراخا من المرأتين اللتين كانتا في غرفة العريس ، وذهولا واستغرابا من بقية الأولاد نخلص إلى أن مزيدا من الجدران ارتفعت في وجهه وانتصرت عليه ، مثلما ترتفع في وجوهنا نحن قراءَ "الطيور الزجاجية" ، فإضافةً إلى الجدران الخشبية والإسمنتية تشمخ كذلك جدران زجاجية تقف – رغم هشاشة الزجاج - بيننا وبين سعادتنا .. ففي قصة "سر الورقة" يفرح البطل الفقير الأمي بالشيك الذي قدمه له أحد الأثرياء ، ما يعني أن حياة البطل ستتغير بلا شك إلى الأفضل، ولكن موظف البنك القابع خلف جدار زجاجي يصدمه في البداية أن "هذا الشيك لازم يصرف من بنك آخر ، تجده في الخوير" ، ثم ستصدمه موظفة أخرى في بنك آخر ومن خلف نفس الجدار الزجاجي بأن قيمة الشيك لا تتعدى العشرة ريالات ! .. ثمة جدار يقف عقبة في طريق الحلم هنا ، ولكن المفارقة أن الجدار هو أيضا الحلم .. فهذا الرجل البسيط يضع ضمن مخططاته بعد أن يستلم المبلغ الذي ظنه كبيرا أن يصلح سور بيته ، أن يقيم جداراً يستره ويحميه وأهله من اللصوص والمتطفلين .. بيد أن هذا الجدار الأسمنتي لن يقوم الآن بسبب الجدار الزجاجي ! .
وإذا كان الجدار حلماً في "سر الورقة" فانه سيتحول بقدرة كاتب إلى سد في وجه الحلم في قصة "الباب الزجاجي" ، ففي أثناء انتظار البطل الفقير المعدم الباحث عن عمل لسقوط جدار الانشغال الذي يفصله عن مقابلة المدير العام ليفاتحه بطلب وظيفة ، جلس على المقعد الجلدي أمام السكرتيرة ، "وانشغل في التحديق في المكان ، ثم أخذ يسترق النظرات ناحية وجه المرأة الذي اعتبره عذبا ، والقطة الغريبة التي تلعق عنقها ، كاد يجرؤ على الحلم بالنوم معها ، لكنه تردد ، فقد تذكر مشاكله التي تسد مداخل أحلامه بجدران قوية " .. الجدران تمنع الإنسان من مجرد الحلم هنا .. ولن تكتفي بهذا بل ستمنعه في قصة أخرى من مجرد الكلام ، "فهو يعرف أن الأصوات تتسرب من خلال الجدران بسهولة ، تنتشر مع الهواء وتغوص في الآذان كأسهم مليئة بالأخبار ، لذلك فالمدينة تكاد تخلو من الأسرار ، إلا تلك الأسرار التي تقال بالإشارات " ، ولكن حتى هذه يمكن التلصص عليها بطريقة بطل جحيم هنري باربوس : النظر من خلال ثقب جدار ، هكذا يفكر بطل قصة "الساق" الذي تمردت عليه ساقه ، وهكذا تفعل زوجة السكير البائسة في قصة "إنقاذ" ، فالجدار يغدو هنا معادلاً للحرية والانعتاق ، من خلال تلك الفتحة السرية التي كانت نافذة المرأة إلى العالم الخارجي تبث منها شكواها وحزنها لأم الفتى ، ولولا ذلك الثقب في الجدار ما علم أحد شيئا عن معاناة تلك المرأة ، وما تم إنقاذها .. فما أجمل الجدران التي تساعدنا على رؤية الآخر والتفاعل معه !.. لا أجمل ولا أنبل منها إلا تلك التي ترينا أنفسنا ، تلك التي تقوم مقام المرايا في تقديمنا كما نحن بلا أية رتوش أو محاولات تجميل .. ألهذا إذن يضع الحلاقون مرايا زجاجية على الجدران أمام زبائنهم ؟!.. لم تقل قصة "جدران ومرايا" هذا مباشرة ، ولكن كان لافتا حديث بطلها أثناء اعتلائه الكرسي لأداء دوره في الحلاقة بعد انتظارٍ قضاه في قراءة كتاب ، كان لافتا حديثه عن زميله الذي لم يطلب الكتاب ليقضي به ما تبقى له من وقت الانتظار " تركتُه مع المنتظرين يحدقون في الحيطان" .. الحيطان هنا أهم ، فنحن لسنا بحاجة لكتاب لننظر إلى أنفسنا بعمق .. وعندما نتأمل ذواتنا فان أسئلة كثيرة تنطرح في داخلنا دون أن تنتظر الإجابة .. تماما كما تفعل الكتابة الإبداعية بشكل عام .. وكتابة المنذري بوجه خاص ..

كتابة الأسئلة :

لا أبالغ إن قلتُ إن كتابة يحيى هي كتابة الأسئلة بامتياز.. لقد دأب على طرح الأسئلة التي تبدو في ظاهرها بريئة ، ولكنها ليست كذلك في العمق .. إنها أسئلة تحرض على التأمل والتفكر وإعادة النظر في حياتنا برمتها ، أسئلة تعبرنا مخترقة جُدُرَنا الصلدة مثلما فعل بطل قصة "عابر الجدران" لمارسيل ايميه بفعل حبة سحرية عجيبة تتيح له أن يمر من أي جدار بسهولة تنْقُلُه من مكان لآخر.. أسئلة تتطاير – حسب أحد أبطال المنذري – "مثل ريش نُتِفَ من حمامة ضُرِبتْ على رأسها" : ما الموكب ؟! .. لماذا كراسي المستشفى صنعت من الاسمنت ؟ ، هل يعلم الجدي الصغير أن روحه سوف تفارقه بعد لحظات ؟ .. هل مازلت تتمنى امتلاك طاقية الإخفاء ؟ ، هل فعلا أصبحتُ لا شيء ؟ ، هل نجح الطائر الأسطوري في تفتيت عقلي ؟ لماذا ينتابني الآن شعور بالخواء ؟ .. لماذا أنا غريب وسط أقربائي ؟ .. هل سأكبر وسينبت لي مثل هذا الشعر ؟ .. لماذا هو بالذات سقط الطائران على رأسه ؟ .. لماذا كل هذا الألم الآن ؟ .. وغيرها الكثير الكثير من الأسئلة التي تتناثر في ثنايا نصوص "الطيور الزجاجية" الخمسة عشر .. ومن قرأ يحيى المنذري جيدا يدرك أن السؤال مكوِّنٌ رئيس من مكونات كتابته القصصية ، منذ "نافذتان لذلك البحر" التي يسأل فيها : "من أين يبدأ السؤال .. من الولادة أم من آخر رمق يبقى ؟" ومرورا بـ"رماد اللوحة" التي يتساءل فيها : "هل يا ترى حين يجلس الصياد إلى البحر محدقا إلى الغيوم يفكر بمطر من الأسماك ؟" ، وليس انتهاء بـ"بيت وحيد في الصحراء" التي يتعجب في إحدى قصصها : "لماذا لا تهرب الأرانب والطيور مادامت الأقفاص مفتوحة" ؟! .. إن الأسئلة هنا ما هي إلا محاولات لاختراق جدران الظلام الذي يحيط بالكائن ، إشعال فتيل ضوء في متاهة بورخيسية معتمة كلما ظننتَ أنها أفضت بك إلى مكان اكتشفتَ أنها زادتك عزلة عن نفسك وعن العالم .. ومع ذلك فلا مفر لك إلا أن تسأل وتسأل موقناً أن توقفك عن السؤال يعني نهايتك المغلقة مرسومة على جدار اليأس ..

الطبيعة والكلمة :

وما دمنا نتحدث عن الرسم على الجدار فان هذا يحيلنا إلى ثيمة لطالما برزت بوضوح في تجربة يحيى المنذري ألا وهي توظيف التشكيل واللوحة في الكتابة القصصية ، ولعل يحيى الذي صرح ذات يوم بأنه حاول أن يكون فنانا تشكيليا ففشل سيضجر من فرط ما تم التحدث عن هذه الثيمة في كتابته .. وشخصيا ما كنتُ سأتناولها هنا لولا ارتباطها بثيمة هذه الورقة وهي الجدران .. وعلى أية حال سواء نجح المنذري أم فشل في أن يصبح فنانا تشكيليا فان المؤكد أن العديد من نصوصه القصصية ما هي إلا تجسيد لعبارة ميشيل فوكو في "الكلمات والأشياء" من أن الطبيعة والكلمة يستطيعان أن يتقاطعا إلى ما لا نهاية مشكِّلَيْن لمن يعرف القراءة نصّا واحداً .. حرّكت اللوحة التشكيلية الأحداث في "ليلة الخنجر" كما رأينا قبل قليل .. وكان لها دور كذلك في قصة "من جدار أبيض إلى جدار أسود" التي يستحضر فيها المنذري الرسام العالمي سلفادور دالي إلى صالة الانتظار بالمستشفى ، فيرسم هذا الأخير بقطعة فحم في وجوه الجالسين وفي الجدران ، ولعلها نفس قطعة الفحم التي استخدمها سلمان في "رماد اللوحة" عندما كان طفلاً "يرسم على جدران البيوت أشكالاً غريبة جدا ليس لها وجود، أشكالاً يبتكرها وكأنها سوف تتحقق في سنوات قادمة" ، غير أن الملاحظة الجوهرية هنا أنه كلما تقدمت تجربة يحيى المنذري القصصية للأمام كلما تراجع الحضور التشكيلي للخلف ، أو لنقل خفت وبات في خلفية المشهد .. مجموعتاه الأوليان كان يصدّرهما بقصة لا تتعالق مع الفن التشكيلي فحسب ، بل ويدخل في نسيج أحداثها بحيث لا تغدو القصةُ قصةً إن حذفنا ثيمة التشكيل .. قصة "اللوحة" أولى قصص "نافذتان لذلك البحر" تبدأ بتأمل عميق من بطل القصة للوحة غامضة معلقة على جدران معرض، يتأمل غيوما وبرقاً ورياحا ومساحات تحمل ألوانا عدة .. إن هذا التأمل يمد البطل بأحداث مرعبة تحدث لاحقا لتنتهي القصة بهرب البطل خائفا من المعرض "تاركاً اللوحة تفسخ ثوب الأرض المتبقي" .. أما قصة "رماد اللوحة" أولى قصص المجموعة التي تحمل نفس الاسم فتتحدث عن معاناة شاب اسمه سلمان لديه موهبة الرسم منذ صغره يتعرض لضغوط اجتماعية تسبب له آلاما نفسية وجسدية فيقرر أن يرسم كل الشر الذي تعرض له في لوحة ثم يحرقها .. التشكيل هنا – كما في قصة "اللوحة" - مكون رئيس من مكونات القص .. هكذا إذن يبدأ يحيى قَصَّه في مجموعتيه الأوليين بالتشكيل .. أما في الطيور الزجاجية فان التشكيل ليس إلا معضدا للحبكة القصصية تسانده معضدات أخرى يمكن أن تحل محله أن أراد القاص دون أن تتأثر سيرورة القص .. فمن الذي يملك المراهنة أن قصة "من جدار أبيض إلى جدار أسود" ستفشل في إرسال رسالتها بدون سلفادور دالي ؟ .. ومن يجرؤ على الزعم أن "ليلة الخنجر" لن تسير للأمام بدون أن يتوقف ناصر لرؤية لوحة السيف والخنجر ؟!.. إن خفوت المشهد التشكيلي هنا يمكن أن نعزوه إلى تحقق المنذري كقاص تعويضا عن الفنان الفاشل ، لم يعد يشعر بتلك المرارة التي تدفعه لمحاولة التحقق تشكيليا على الورق .. لكن موهبة التشكيلي باقية ، وتطل برأسها في لوحة قصصية هنا أو في وصف هناك ، ولعلني لا أتعسف في التأويل إن قطعتُ بأن وصف يحيى لسلمان طفلا في "رماد اللوحة" ، والذي تتماهى فيه خبرة التشكيل بخبرة القص ، ما هو إلا وصف ليحيى نفسه : " وجد نفسه يحب المرأة والرسم، ودائما ما يشعر بحرارة غريبة تسري في يده تحفزه على أن يمسك القلم ويرسم طيوراً تحلق بعيداً عن الأرض، يرسم نساء جميلات وحدائق زهور وأشكالاً هندسية، كان في طفولته يرسم بقطع الفحم على جدران البيوت أشكالاً غريبة جدا ليس لها وجود، أشكالاً يبتكرها وكأنها سوف تتحقق في سنوات قادمة، بعد ذلك بدأ الرسم على الأوراق، مرة رسم شجرة أوراقها سوداء وثمارها رؤوس دامية، وتبدو الشجرة في اللوحة أكبر من المدينة وغائرة في سماء مليئة بالغربان وطيور أخرى غريبة الأشكال" .. لكن سلمان العاشق للرسم سيكون عُرضة لتوبيخ مسؤوله له الذي مزق اللوحة فوق رأسه وأمره أن يجمع المِزَق كي يرميها في القمامة.. من هنا ينفس سلمان عن غضبه برسم لوحات وحرقها ، أما يحيى فسيؤمن أن الطريق يتحدد بمقدار ما نمشي عليه من خطوات ، وسيختار طريق الكتابة ، حيث يغدو بإمكاننا ابتكار حيوات في الورق لم نعشها في الواقع، نرسم فيها لوحات جميلة ونبتكر شخوصا مدهشة ، ونتحدث بلغة آسرة ، ونطرح أسئلة ممضة ، نمضي مُتَحَدِّين الصعاب ، وعابرين الجدران التي تقف في طريقنا بعزيمة لا تكل ، مستحضرين في قرارتنا أمل دنقل : آه ما أقسى الجدار / عندما ينهض في وجه الشروق / ربما ننفق كل العمر .. كي نثقب ثغرة / ليمر النور للأجيال .. مرة ! /
ربما لو لم يكن هذا الجدار / ما عرفنا قيمة الضوء الطليق !! .

السبت، 16 أبريل 2011

الرائي بالروح


سأسميه الظَهْر الذي تتكسر عليه سهام الخذلان .. سأسميه الرائي بالروح ، الهازئ بالريح ، حارث الحقل وحارسه ، حاضن البيوض في أعشاشها ، الموزع اسمه على العصافير بالتساوي غير مهتم بحصته منه .. أعرف أنه ليس بحاجة إلى أهازيج الثناء ولا لنثر أزهار تحت أقدامه .. لستُ هنا لأنفحه مديحي الذي أعلم ويعلم أنه ليس بحاجة إليه ولا يطلبه . بعد أن رأيتُ وقرأتُ فائض الحب المرشوق به وروداً وكلمات فماذا بوسعي أن أكتب الآن ؟!.. هل أتشبث بذريعة نزار : الصمت في حرم الجَمال جمال ؟! ، أم أمتثل لتحريض معن بن زائدة : "إذا لم تكتب اليدُ فهي رِجْل" !.
كان سعيدٌ بعيداً بما يكفي لأقول انه نيزك .. ثم اقترب كسراج ، حتى كدتُ أحترق كفراشة .. في مقدمة الصف أراه : ينساب كماء في نهرٍ لا يمكن أن نستحم فيه مرتين ( النهر أعني لا سعيد الذي بمقدورك الاستحمام فيه ما شئت من المرات ! ) .. شعاع بسيط يقود شمساً عمياء! . نحلة نشطة تحوّم حول منابع العسل .. يستعير من النفّري حكمته الأثيرة : "احلم ، فالهالك من لا يحلم" .. يرتب البيت من الداخل ، ولا ينسى أن يزرع الورود في المدخل .. ولا بأس إن كان ثمة تينة أو زيتونة صغيرة ، تشبع عابر سبيل . يَنْشُقُ بملء رئته هواءً نقياً يسميه الحرية ، ويقول "ذق حتى تعرف" . يعرف أنه واحدٌ قليل ولكنه يعرف أيضا أنه ليس صعباً أن يتكاثر . وعندما يحلق بعيداً في السماء فليس ليتفرج على النجمة الذاهلة، بل ليغريها بالنزول إلى الأرض .. الأمل واحدٌ من أصدقائه الجميلين، والحياة هي "ذهبُ الحنطة الحلوة" كما قالت شاعرة ذات روح رائية .
هل خَدَع سعيدٌ العاصفةَ حين تظاهر بالانحناء، فمرت كجندي مغرور ؟! .. هل كان يختبرها وهو الذي لا يمل الترديد أن الأشياء تحتاج إلى اختبار ؟! .. وهل هي مصادفة أن تكون كلمة "السمت" واحدة من لازماته الكتابية والكلامية ؟! .. وهل علينا البحث عن إجابات شافية لأسئلة ممضة ديدنها فتح النوافذ – كما الأبواب - على كل الاحتمالات؟! . ما أنا متأكد منه أن علينا فقط أن نحسن الإصغاء بواسطة الروح – تماما مثل سعيد - لأي فأر جميل تسلل خلسة إلى دماغنا ليحلم .

* شهادة نُشِرتْ في كتاب تكريمي أصدرته الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بمناسبة حصول سعيد بن سلطان الهاشمي على جائزة الانجاز الثقافي البارز لعام 2009 بعنوان "الرائي بالروح
" .

السبت، 9 أبريل 2011

كلنا سعيد وباسمة




أعتذر لقراء المدونة .. اضطررتُ لالغاء الموضوع بسبب خطأ معلوماتي لم أنتبه له الا بعد نشر الموضوع .. غير أنني أبقيت العنوان والصور لأؤكد تضامني مع الأخوين سعيد الهاشمي وباسمة الرجحي ضد من يريد أن يسلبهما حقهما في حرية الرأي والتعبير وحب الوطن ..

الاثنين، 7 مارس 2011

لهذه الأسباب سأعتصم أمام وزارة الاعلام


كثيرة هي ثمار وايجابيات الاعتصامات السلمية النبيلة التي تشهدها السلطنة في صحار ومسقط وصلالة وصور وغيرها من المناطق ॥ ولكني سأقول كمدخل لهذا المقال انه لو لم يكن من ثمارها سوى أنها رفعت من سقف حرية الرأي والتعبير لكفاها .. ثمة منجز يتحقق على هذا الصعيد لم يستفد منه اعلامُنا الرسمي للأسف ، فأضاع الفرصة كعادته .. قلتُ في كلمة قصيرة أمام ما بات يطلق عليه الآن "ساحة الشعب" مساء الثاني من مارس الجاري إن كثيرا من الاعلاميين العمانيين يتوقون لتقديم اعلام حقيقي وحر ، يعبر عن نبض الناس وهمومهم ، ولكن المناخ الذي يعملون فيه لا يساعد على ذلك للأسف ..
ليس هذا مقالا من اعلامي مصرّ على جلد ذاته ، بل هي محاولة لممارسة حق ابداء الرأي في أمر يخصني أكثر من غيري مادمتُ إعلاميا يضطر أحيانا لتلقي سهام النقد على أمر لا شاة له فيه ولا سخل صغير ، وهو حق كفله لي النظام الأساسي للدولة ، مثلما كفل لي أيضا أن أمارس حقي في الاعتصام السلمي أمام وزارة الاعلام احتجاجا على الفرص الكثيرة التي أضاعها الاعلام ، والتي كان من شأنها أن تصالح العماني على اعلامه .. لنقل اذن ان هذا المقال هو محاولة لتذكير القائمين على الاعلام العماني بعدد من الفرص الضائعة التي كان من الممكن أن تصالح العماني على اعلامه ، وتجعل هذا الاعلام شريكا في التنمية ، مثلما يُراد له دائما من قبل المسؤولين، والتنمية الأهم هي تنمية الانسان كما أكد الزميل والصديق زاهر المحروقي في كلمته في "ساحة الشعب" مساء السادس من مارس الجاري.
أولى هذه الفرص ذكرها زاهر نفسه في كلمته وهي برنامج "البث المباشر" في نسخته القديمة التي بدأت في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ، والتي قدمت جرأة نقدية غير مسبوقة للأداء الحكومي وجعلت المواطن يلتف حول اعلامه ويعتبره المعبر الأول عن آلامه وآماله ، ولكن بعد سنوات قليلة ثمة من لم يُطق هذه الحرية الاعلامية فانبرى باسم الوطنية والحفاظ على مكتسبات النهضة الى وأد البرنامج ليعود بعد سنوات طويلة "بثا مباشرا" آخر لا يحمل من سابقه سوى الاسم ، بثا مليئا بالخطوط الحمر والألغام الشائكة التي على مقدم البرنامج أن يبدد جهده في محاولة القفز منها ، بدلا من التركيز على موضوع البرنامج ..
ومرت السنوات ولاحت الفرصة الأخرى المتمثلة في برنامج "هذا الصباح" الذي فاجأ الناس منذ يومه الأول وبات حديث مجالسهم ، وظن المواطن أنه وجد أخيرا متنفسه في التعبير عن نفسه ومشاكله ، ولكن ما هي الا أيام قلائل حتى ضاق الهواء بأكسجين الحرية ، وترك مجلس الوزراء جميع مشاغله وفرغ نفسه لـ"تقنين" هذه الحرية ، وتوجيه القائمين على البرنامج بما ينبغي عليهم أن يذيعوه وما لا ينبغي ، حتى أُفرغ البرنامج من مضمونه وبات مجرد شكوى عن مطب شارع لم يبن هنا ، أو مكب نفايات لم يردم هناك ! .. وقد يقول قائل ان بعض مقدمي البرنامج هم من تسبب في ذلك بسبب انحيازهم الأعمى للمواطن على حساب المهنية ، وسأقول أن هذا كلام حق يراد به باطل .. فبالتأكيد كان ثمة أكثر من حل لهذه "المعضلة" أفضل من اطلاق رصاصة الرحمة على البرنامج .
الفرصة الثالثة كانت في الأسبوع الماضي ، فبعد يومين من التخبط الناجم عن مباغتة الاعتصامات له قرر الاعلام العماني اذاعةً وتليفزيونا أن يكون في مستوى الحدث .. فخصص مساحة كبيرة من بثه النهاري لمواكبة هذا الحدث ومحاورة مثقفين ومواطنين حوله وتقديم صورة كاملة تغطي الرأي والرأي الآخر ، وسأتحدث هنا عن الاذاعة بحكم متابعتي ومشاركتي في تغطيتها والتي يبدو أنها نجحت الى حد كبير لدرجة أنني سمعتُ كثيرا من التعليقات المندهشة من الجرأة التي تناولت بها الاذاعة هذه الأحداث .. ولكن ماذا حدث في اليوم التالي ؟ .. قلصت الاذاعة تغطيتها من ست ساعات الى اثنتين ، ومن مكالمات مباشرة على الهواء ، إلى مسجلة وخاضعة للرقابة المسبقة !! .. فضاعت الفرصة مرة أخرى لمصالحة المواطن العماني على اعلامه ..
أكتب هذه السطور الآن وعلى بعد أمتار مني الكاتب حسين العبري الذي يعتصم أمام وزارة الإعلام احتجاجا على اجتزاء التليفزيون لمقابلته الطويلة مع برنامج "هنا عُمان" بصفته ممثلاً للمعتصمين ، بناء على وعد التليفزيون له ، فإذا بالبرنامج يختصر المقابلة التي اقتربت من ساعة كاملة في عشرين دقيقة فقط أخذ منها القائمون على التليفزيون ما أرادوه من رسائل ورموا الباقي للريح ، في خطوة لا تنم عن أي مهنية أو أخلاق إعلامية .. إن مثل هذا التخبط الإعلامي الذي تعاني منه وسائل إعلامنا الرسمية ( وكثير من المؤسسات الإعلامية الخاصة ) يفجر أسئلة ممضة من قبيل : من هو هذا الذي يقف وراء الاعلام العماني الذي كلما رآه تقدم خطوة للأمام أصر على جره خطوتين للخلف ؟! .. ألم يلتف العمانيون حول اذاعتهم وتليفزيونهم في أزمة إعصار جونو عندما وجدوهما معبرين عن همّ الوطن والمواطن ؟ .. كم يلزمنا من الوقت لندرك أن هذا ليس عصر تعتيم ، ولا عصر وصاية ، وأن ما لا يجده العماني في قناته سيجده في الانترنت وعشرات القنوات الأخرى ؟! ..
أسئلة كثيرة كهذه مازلت تترنح في الفضاء الرحب بحثا عن اجابة ! .