الخميس، 1 أبريل 2010

نفق ساباتو

''الروايات الكبرى هي التي تغير الكاتب حين يكتبها، والقارئ حين يقرأها''.. لأول وهلة قد يستغرب المرء حين يعرف أن قائل هذه العبارة عالم فيزياء.. ولكن الدهشة ستتبدد حين نعرف أن ذلك العالِم قرر هجر الفيزياء واتجه إلى كتابة الروايات.. ''النفق'' واحدة من الروايات التي يمكن الزعم أنها قادرة على تغيير القارئ بعد أن يقرأها .. ومن باب أولى فهي غيّرتْ كاتبها ارنستو ساباتو بعد كتابتها إذ حولتْه من العالِم الحاصل على الدكتوراه في الرياضيات والفيزياء والعامل في مختبرات ''كوري'' بباريس شاهداً على تحطيم ذرة اليورانيوم وما سينجم عن ذلك فيما بعد من أخطار تهدد البشرية وتنذر بجحيم كوني، حولته إلى روائي فذ عُدَّ واحداً من أهم روائيي القرن العشرين، برغم قلة إنتاجه الروائي الذي لم يتعدَّ ثلاث روايات، هي ''النفق'' عام 1948 ''صدرتْ عن الدار الوطنية الجديدة عام 2004 بترجمة عبدالسلام عقيل''، و''أبطال وقبور'' عام ،1961 و''أبدون'' عام ..1967 ومع هذا، فإن ساباتو يؤكد في الحوار الذي أجرتْه معه الروائية التشيلية ايزابيل الليندي ونُشِر في مجلة ''باولا'' أنه ليس كاتباً محترفاً، وأنه يكره الأدب والأدباء، مضيفاً: ''كوني كاتباً أمر لا يعجبني، كان بودي أن أكون عالم آثار أو عالم لغة، أو أن تكون لي ورشة ميكانيك صغيرة في حي غير معروف''.
كان بطل أولى رواياته ''النفق'' رجل مجنون انطوائي مكتئب على الدوام، ويردد: ''كون العالم فظيعاً، فهذه حقيقة لا تحتاج إلى برهان''.. إنه رسام يدعى خوان بابلو كاستيل لم يتمكن من التواصل مع أحد، ولا حتى مع المرأة الوحيدة التي يبدو أنها فهمتْه من خلال ما يرسم، والتي سيقتلها في النهاية بدافع الغيرة.. يردد كاستيل في الرواية: ''كان هناك في جميع الأحوال، نفق واحد فقط، مظلم وموحش: نفقي أنا''، لكننا سنكتشف نحن القراء أنه ''نفقنا'' نحن أيضاً الذي سندخله طائعين، ولن نكون نحن حين نخرج منه ''إذا قُيّض لنا أن نخرج''.
يقول ساباتو إن من يريد أن يختار الكتابة فعليه أن يكتب عندما يصل به الأمر إلى حد لا يطاق، عندما يُدرك أنه قد يصاب بالجنون إن لم يكتبْ..
وعلاوة على أنه كاتب كبير وفنان، فإن المزية الأهم لساباتو - كما يقول الشاعر العراقي باسم المرعبي في دراسة له بمجلة نزوى - هي أنه قدم للأدب ما لا يمكن أن يقدمه غيره بسبب من خلفيته العلمية الصرف، ما ساعده على أن يضفي تفكيراً منطقياً علمياً على مجمل أفكاره وتصوراته عن الكتابة والفن عموماً.. ونستطيع القول - يضيف المرعبي - إن الكتابة قد حظيتْ برصيد كبير بانتقال ساباتو إليها، وعبر فهمه تصيب الرواية مكانة غير معهودة، فهو يعتقد أنها تتفوق على البحث والفلسفة؛ لأن بإمكانها أن تجيب على التساؤلات. وما ذلك إلا لأن الرواية هجين يقع وسط الطريق بين الأفكار والعواطف''.
''النفق'' رواية تدفعك للتفكير والتأمل، ولا يمكن أن تظل أنتَ أنتَ بعد فراغك من قراءتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق