الجمعة، 23 أبريل 2010

فراشة الردة


تماهى شوانج تسو يوما مع حلمه بالفراشة حتى تعذر عليه معرفة ما اذا كان هو ( تسو ) الذي يحلم بالفراشة ، أو أنه الفراشة التي تحلم بأنها (تسو).. فماذا لو أن هذا الحكيم الصيني الذي مات قبل أكثر من ألفي سنة قرر أن يغادر قبره هذه الأيام ليتنزه على شاطئ "الردة" ( بولاية صحم ) ، قريتي الوادعة التي كتبتُ ذات يوم عن هوائها النقي ، وسمائها الصافية ، وعصافيرها المزقزقة ، وأهلها البسطاء الذين ينتظمون في سلك الطيبة ، وما في قلوبهم يندلق على شفاههم دون صعوبة.. أتُراه - تسو - بعد أن يرى فراشتها العجيبة هذه سيواصل الحلم أنه فراشة ؟
بدأت الحكاية باتصال هاتفي من الصديق عبدالله السعيدي يسألني بفضول طفل يتهجى العالم : "بما أنك من الردة شو حكاية الفراشة ؟ " ، ولأنني لحظتَها لا علم لي بالحكاية فقد أجبت : "لا أعرف ، وان كان يسعدني أن يرتبط اسم قريتي بفراشة ! ".. وحين ألحف في السؤال وعدتُه أن أوافيه بالتفاصيل بعد الاستعانة بشقيق.. قال محمود الذي لم يكن في الردة ساعتها ولكن الحكاية طارت اليه على بعد مئات الكيلومترات من صحم : "نعم.. يقال انهم وجدوها على شاطئ الردة ، هناك صورة امرأة على جناحها ، وقد جاءت الشرطة وحملتها ".. لم أنتبه لفرط ذهولي هل قال ان الشرطة اعتقلت الفراشة أم المرأة !
فراشة الردة اذن تختلف عن فراشة تسو بأنها تحمل على جناحها امرأة ، أو هكذا على الأقل ما أُشيع ووزّع بالصور على الهواتف النقالة في استدعاء مذهل للأساطير والأحلام يعجز عنه حتى أدب أمريكا اللاتينية !.. أراني أخي حمدان الصورة في هاتفه مع خلفية صوتية ، لم تكن بالطع مقطوعة الفراشة لشومان ، بل نشيداً دينيا يسأل الله الرحمة يوم يعرق منا الجبين ، وييأس منا لطبيب ، ويبكي علينا الحبيب.. كانت الفراشة ساكنة وكأنها نائمة وتحلم.. كنت أرقب شاشة الجوال بخشوع ، ويجلجل داخلي هايكو ياباني " حلم الفراشة بالازهار / أود أن أتعرفه / لكنه صامت"
قرأتُ مرة أن في عُمان سبعين نوعاً من الفراشات ، ولكن لم يقل أحد من الباحثين شيئا عن "فراشة المرأة" هذه ॥ فلتُسجّل الفراشة الحادية والسبعون اذن باسم "ردتي" الحبيبة॥ صورة الفيديو تقترب شيئا فشيئا من جناح الفراشة لتتبدى بشكل جلي المرأة وكأنها تنظر اليك باستفزاز.. أيكون "الفوتو شوب" ؟!.. أم أن الفراشة من أنصار حقوق المرأة ؟!.. كلا.. السؤال ليس عن الفراشة بل المرأة.. ماذا يعني أن تختار امرأةٌ ما أن تطير على جناح فراشة ؟!.. هل يعني هذا تحولاً سوسيولوجياً لقرية ظلت وادعة بأهلها الصامتين الهادئين ؟!.. أتكون هذه رسالة احتجاج ذكية ابتكرها دعاة الجندر ؟! ، أم أنها دودة هنري ميلر التي ثملت بجلال وعظمة الحياة فصارت فراشة !
أسئلة كثيرة فجرتها في رأسي فراشة ساكنة على شاطئ الردة تحمل على جناحها امرأة.. أسئلة لم أجد لها اجابة حتى هذه اللحظة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق