الثلاثاء، 30 مارس 2010

امبااااع


امبااااع

     ثَغَتْ الشاة .
     سقطتْ دمعة من عين عبدالفتاح المنغلق على حافة السكين المشحوذة بعناية .
     قبل عشرين سنة كان عبدالفتاح يحب العيد ، وخاصة حين يطلق مفرقعاته في المصلى بانتظار انتهاء الخطبة .
     قبل ثلاث سنوات فقط بات المنغلق يتشاءم من العيد .. تحديدا منذ قال له أبوه :
-        فضحتنا قدام الخلق
قالها أبوه في ثالث أيام العيد ، عندما كان أهل القرية مجتمعين لتناول وجبة الشواء في سبلة[1] الشيخ سعدون بن خويطر .. قال الشيخ لأبي عبدالفتاح : " ما شا الله شواكم لذيذ ، باين عليه التيس اللي ذبحه عبدالفتاح كان كبير" .. قال  الأب : أنا اللي ذبحت التيس .
     لم يفهم الأب مغزى تعليق الشيخ إلا حين سمع رده على طلبه الذي طلبه قبل أسبوع من العيد .. أثناء شرب الشاي ، وعلى مرأى ومسمع كل من كان في المجلس قال الشيخ :
-        الظاهر ما في نصيب يا بو عبدالفتاح
ذهل الأب من رد الشيخ الذي لم يتوقعْه ، فعبدالفتاح من نفس فخيذة[2] قبيلة الشيخ ، وقليلون من شباب القبيلة من يستلمون راتبا كراتبه :
-        أيش فيه ولدي يا شيخ ؟
رد الشيخ بصرامة :
-        اللي ف حياته ما ذبح هايشة[3] كيف أستأمنه على بنتي ؟!!
اسودَّ وجه والد المنغلق واعتزل الناس ستة أشهر بعد تلك "الفضيحة" .. وقال لولده بصوت متهدج :
-        قلبي ما راضي عليك لين أشوفك تذبح .
قالت الأم :
-        يا ولدي ما يجوز تغضّب بأبوك .. التيس اللي بتذبحه ما أهم من أبوك .
     عبدالفتاح المنغلق يعي جيدا أن والده أهم من التيس ، المسألة فقط أنه أجبن من أن يذبح دجاجة ! .. ولعله كان يعوّل الكثير على موقف حبيبته العنود بنت الشيخ سعدون .
     وهب الله العنود ذاكرة قوية ، فهي ما تزال تتذكر حكاية إشرافها على الغرق في الوادي قبل ثلاث عشرة سنة لولا الصبيّ الذي تصادف وجوده هناك وتشبثها بطرف إزاره .. أقران الصبي الخبثاء لقّبوه "شجاع غصب" مُشيعين أن سر نجاحه في إنقاذها هو قبضته القوية على إزاره مخافة أن يتعرى أمام الفتاة ، رغم أن قبضته على الإزار كانت بيد واحدة فقط في حين كانت اليد الأخرى تتشبث بنتوء صخري وسط الوادي .. لا أحد يستطيع تأكيد ما إذا رأت العنود شيئا لا ينبغي أن تراه في تلك المعمعة ، لكن المؤكد أنها أُغرمت بالصبي منذ ذلك اليوم ، وحتى بعد أن صارت معلمة في مدرسة البنات في القرية .
     قبل ثلاث ليال من العيد الذي تلا عيد الفضيحة قال الأب لابنه : ستذبح ..
ولما لم يذبح عبدالفتاح تقدم مسعود بن بشير لخطبة ابنة الشيخ ، فكان أن رُفِض بسبب أقاويل وصلتْ إلى مدرسة البنات بأنه "يشرب الخمر" .
     قبل ثلاث ليال من العيد الثاني بعد الفضيحة قال عبدالفتاح : ما أنا بذابح .. فكان أنْ تقدم راشد بن منصور لخطبة العنود ، فتم رفضه بسبب شائعات وصلتْ إلى مدرسة البنات بأنه كان "يقْرم الماي"[4] .
     قبيل هذا العيد ، والذي يأتي ثالثا بعد الفضيحة قال الأب : إذا لم تذبح فاخرج من بيتي . وقالت العنود : إذا لم تذبح فاخرج من قلبي .
     بكى عبدالفتاح وارتمى في حضن أمه التي قالت :
-        يا ولدي كل شي في بدايته صعب ألين تتعود .
وأرته كيف تذبح دجاجتها .
     بُعيد صلاة العيد خلع عبدالفتاح دشداشته .. دخل إلى الزريبة وخرج بمعية الشاة .
     سقطتْ دمعة من عينه على حافة السكين المشحوذة بعناية .
     ثغت الشاة .


[1]  سبلة : مجلس 
[2] الفخيذة : فرع من القبيلة
[3] هايشة : بهيمة أو حيوان
[4]  يمضغ الماء .. عبارةْ شعبية كناية عن الشذوذ الجنسي

هناك تعليق واحد:

  1. سليمان المعمري ،
    سنكون متابعين لهذا القلم بحبره الشهي .

    ردحذف