الثلاثاء، 30 مارس 2010

حرية شخصية


حرية شخصية

     لا يهمني أن ينظر إليَّ بتلكما العينين الشريرتين .. التحديق في الزرقة الأخاذة حرية شخصية .. ثم إنه حتى الأعمى سيلاحظ بلا شك أنها هي التي تحدّق في شاربي ..
هي : زرقة مؤطرة بالسواد الضروري لحراسة البياض من الرماديين .
هو : عينان من شرّ ترشقان المشهد بعناصر الخراب .
أنا : تيه ممزقٌ بين زُرقتها وصُفرته .. تيه يُسمّونه : عبدالفتاح المنغلق !
     الأمر إذن هكذا : لأدخل عتبة الابتسامة وأنعم بسوسناتها ، عليَّ أولاً أن أعمل على تحييد نظراته الشريرة .. سأتجاهله وحسب .. سأقول انه حكّة في خاصرتي وأنا في حضرة الملكة .. سأقول أيضا إن هذه المرأة وارفة الزُرقة ، المسيجة بالسواد ، وحيدة كبحر هجره المصطافون .. وما الابتسامة سوى حيلة للتملص من الهواء المثقل برائحة العزلة .. ربما كانت عاشقة ، وهذا ما يفسر نظرتها التائهة .. لكنها تبتسم .. أيكون حبيبها من التقط الصورة ؟! .. على الأقل كان موجودا لحظة التصوير .. لعلها تذكرت لهاثهما على الشاطئ فابتسمتْ .. المصورون يقتنصون اللحظات كما تقتنص المبيدات الحشرات .. وصاحب العينين الشريرتين يحاول اقتناصي .. أيكون حبيبَها ؟! .. لا أظنُّ ذلك .. وجهه يوحي بأنه خارج للتوّ من سجن في كهف ، ولا زرقة في الكهوف .. لعل مأمور السجن هو من التقط الصورة كإجراء روتيني قبل الإفراج .. ولكن ما الذي يجمع صورتين متناقضتين في صحيفة صفراء واحدة ، وفي مكانين متجاورين ؟! .. أيكونان زوجين من المشاهير ؟! .. آااه لو أني أُجيد لغة هذه البلاد الغريبة التي تلتهم روحي بشراهة :
-   يا أيتها العجوزُ المطمئّة ، القاعدة على مقعدك كأنك شاهدة على خراب العالم : لا لغةَ لي ، فهل تُجيدين تأويل الصور في الصحف الصفراء ؟!
     لكنها تشتمني بعينيها فأنكص إلى قواعدي غير سالم .. الأمرُ برمّته يحتاج إلى أُمّ .. لكن أمي بعيدة ، وأنا وحيد في أرض غريبة لا أخالها تصلح لأن تكون أمي .. وأنا أحبُّ الله ، لأنه وهبني عمرا فضفاضاً ، وعلمني أن صُدفة طازجة واحدة خير من ثلاثة مواعيد معلبة .. لستُ مني إنْ لم أبتكر صُدْفتي السعيدة الآن .. ها هما يدخلان ويختاران الطاولةَ المواجهةَ لي .. وجهُها مقابل لوجهي ، وظهرُه يتجاهلني .. انه ظهرُ سجين كما حدستُ .. يبدو أنه حوار حميمي وإلا ما كانت لترشقه بكل هذه الابتسامات .. هل تعلم أن ابتسامتَها تذهبُ أبعدَ من المدى الذي تظنَُ ؟! .
     قبل أن أقوم من مقامي هذا فليعلم الجميع أنني لستُ عذولا .. أنا فقط غريب ضيّع عناوينه في ابتسامة لامرأة زرقاء :
-        من فضلكما ، لغتي منكسرة ، وسأسأل فقط هذا السؤال بيديَّ وأرحل : هل أنتما صاحبا هاتين الصورتين ؟
     يا الهي .. انها بلاد تحترفُ الشتمَ بالعيون .. ولكني لن أعتذر .. سأكتفي بمغادرة المقهى وترك الصحيفة مكانها .. أن أرى امرأة زرقاء ورجلاً شريراً في صحيفة ، ثم في مقهى ، ثم في أحلامي – إنْ شئتُ – هي محض حرية شخصية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق