الثلاثاء، 30 مارس 2010

عَطْسٌ

 
عَطْسٌ

        عندما أصابت عبدالفتاح المنغلق نزلة زكام حادة حمَدَ الله أنْ لم يخلقه دجاجة .. ولأن عبدالفتاح انتهازي كبير فقد قرر أن يستغل زكامه الاستغلال الأمثل .. أولا : ذهب إلى مديره وعطس في وجهه ، فقرر الأخير منحه إجازة لمدة أسبوع .. وهو يخرج من المكتب فكر أن اللحظة المناسبة قد حانت لمصالحة حبيبته التي هجرته منذ أسبوع لنسيانه عيد ميلادها ، فقد سمعها ذات مرة تقول إن الرجال حين يمرضون يثيرون الشفقة .. أخرج هاتفه من جيبه وطيَّر زكامه إليها في رسالة مقتضبة .. في طريقه إلى شقته التي لا تدخلها الشمس كحَّ عبدالفتاح وهو يتخيل الضجة الكبيرة التي سيثيرها حين يحقق أمنيته .. كان منذ نعومة أحلامه يتمنى أن يشار إليه بالبنان ، أن يُدرَج اسمه في قائمة المخترعين والمكتشفين من دون أن يضطر إلى إجراء مائة تجربة في معمل أو تسيير سفينة لجزر الواق واق .. منذ خمس سنين وبضعة أشهر قرأ المنغلق في إحدى الصحف أن العين هي العضو الوحيد في جسم الإنسان الذي لا يمكن أن يبقى مفتوحا أثناء العطس .. ومنذ ذلك اليوم وعبدالفتاح لم ييأسْ بعدُ من أنه قادر على إثبات العكس .. عندما واتته العطسة حَمَدَ الله وأثنى عليه ، وتذكر صديقه الذي أخبره ذات مساء أن هذه هي حركة آدم الأولى ، لكنه سرعان ما وبخ نفسه لأنه نسي فأغمض عينيه .. " في المرة المقبلة لن أنسى " قرر عبدالفتاح وهو يصعد بسيارته الجسر .. هذه "المقبلة" سوف لن تتأخر كثيرا ، وسوف لن ينساها المنغلق طوال حياته .. فقد كان يفصله عن الاصطدام بالسيارة التي أمامه عطسة صغيرة .. فكر عبد الفتاح وهو يرى إلى سائق السيارة المصدومة يشوّح بيديه بطريقة غاضبة من خلف زجاج النافذة أن العين بحاجة إلى مراس لكيلا تنغلق أثناء العطس .. عطس عبدالفتاح المنغلق بشدة محتجا على تجمهر الناس حوله وكأنه ارتكب جريمة نكراء حين عطس .. في مكتب شرطة المرور راوده خاطر أن خدمة الرسائل الهاتفية معطلة هذا اليوم وأن زكامه لم يصل بعْدُ لحبيبته .. وبعد أن أقرَّ في أوراق رسمية أن العطس يسبب حوادث السير استقل سيارة أجرة إلى شقته التي لا يدخلها القمر .. وحين عطس فتَحَ السائق النوافذ بحركة سريعة وهو يصرخ : "يرحمك الله" .. رد عبدالفتاح : "يهدينا ويُصلح بالكم" .. كان المنغلق قد بلغ من الإعياء مبلغاً بحيث أنه بات لا يقوى على الذهاب إلى عيادة .. نَقَدَ السائق أجرته وودعه بعطسة .
     ارتمى عبدالفتاح في سريره واضعاً عُلبة المحارم الورقية غير المعطّرة بجواره .. حلم أنه يعطس كثيرا بعينين مفتوحتين على العالم وجميع أشيائه الحية والميتة .. وفي الصباح جمع عبدالفتاح المنغلق كومة المحارم الورقية المضرجة بالمخاط وقذف بها إلى القمامة .. اكتشف أنه لم يعد يعطس فقرر قطع إجازته ، لكنه ما لبث أن ألغى الفكرة حين تذكر أن سيارته ترقد مريضة في مكان بعيد .. فتح هاتفه فانتثرت الموسيقى الرومانسية في أرجاء الغرفة .. "جرّبْ لعبة أخرى أيها المحتال" .. مسح الرسالة بلا مبالاة وقرر أن يُعدَّ لنفسه كوبا من الشاي .. فكر وهو متوجه إلى المطبخ أن الرجال حين يُشْفَوْن من المرض يثيرون الشفقة ! .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق