الثلاثاء، 30 مارس 2010

الصابونة


الصابونة

     قهقه المذيع الجوال حتى بانت نواجذه على الهواء مباشرة عندما سمع إجابة عبدالفتاح المنغلق عن سؤاله التقليدي جدا :
-       بما أنني سنويا أراك في هذا المعرض بمَ تنصح محبي الكتب ؟
قال عبد الفتاح :
-       لا يستهينَنَّ أحدكم بالصابونة !
     عندما عاد عبد الفتاح إلى شقته توجه فورا إلى المكتبة .. صف الكتب الجديدة بعناية طالباً منها أن تؤنس وحشة أخواتها في النسب .. من هذه القديمة انتزع "العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية" من أنفه وتوجه به إلى غرفة النوم .. وهو مستلق على السرير فتح الصفحة الأولى وقرأ الإهداء:

حبيبي عبدالفتاح :
" أفضّل أن أنام عندما يكون الجو أكثر إظلاما"                     
    
حينما كتب لويس سبولفيدا هذه الكلمات في الصفحة 109 لم يكن ليتوقع أن امرأة جميلة ستستعيرها لتهديها حبيبها . " السنوات تمر سريعا " قال المنغلق وهو يفتح أحد أدراج السرير بحثاً عن صورة .. حملق في الصورة مليا وغاب في العينين العسليتين .. سألهما :
-       أحقا لم تريا الصابونة تسقط في الكيس ؟!
يجدر التنويه لمن لا يعرف الحكاية أن الصابونة سقطتْ في الكيس في نفس التاريخ المدون في الإهداء .. كانت حبيبته تعرف مدى شغفه بالكتب ، فقررتْ في لفتة ذكية أن تهديه في عيد ميلاده كتباً بعدد سنوات عمره ، متخيرةً من كل كتاب عبارة ذات مغزى لتدونها له في الصفحة الأولى كإهداء .. عندما أخرج المنغلق الكتاب السابع والعشرين والأخير اكتشف أن ثمة كتيّبا صغيرا قابع في أسفل الكيس .. ظنه في البداية كتيّب أذكار وأدعية ، ولكن ما إنْ حمله في يده حتى اكتشف أنه ... صابونة !
-       آه .. إنها صابونتي الجديدة .. يبدو أنها سقطتْ خطأً في الكيس .
صحيح أن حبيبة المنغلق جميلة ، لكنه يعرف جيدا أنه لم يشغف بها إلا لأنها ذكية .. لم يكن سهلا إذن أن يُصدّق هذا التبرير  .. "إن وراء الصابونة ما وراءها " .. هكذا حدّث عبدالفتاح نفسه الأمّارة بالسؤال .
     قال الطبيب النفساني : لعلها أرادت أن تقول لك إن العقل النظيف في الجسم النظيف .. اقرأ واستحم !.
     قال الفيلسوف : الكتب تلوّث العقول ، ومن هنا جاءت الصابونة .
     قال العراف : إنها النهاية .. بعد الرقم 27 ستغسل الأرض أدرانها كما تغسل الصابونة الأجساد .
     ارتعب عبدالفتاح من التأويل "الصابوني" الأخير فهرع الى صديقه الذي كان يصطاد سمكاً على الشاطئ .. ضحك هذا الأخير وقال ساخراً :
-   يا غبي .. إنها تتعمد إهانتك .. تقول لك انه إذا كانت 27 كتابا غير قادرة على إخبارك أنك قذر ورائحتك نتنة ، فوحدها الصابونة القادرة على ذلك .
الآن بعد خمس سنوات من الحادثة ، لا يعرف عبدالفتاح  مَنْ يصدّق بالضبط .. ما يعرفه حقاً أن عبد الفتاح المنغلق بعد الصابونة يختلف تماما عن عبدالفتاح المنغلق قبل الصابونة .. ولا يدري حتى اللحظة هل كان قراره صائبا بفسخ الخطبة ! .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق