الثلاثاء، 30 مارس 2010

الفاشيست


الفاشيست


     لا أعرف بالضبط معنى كلمة "فاشيست" لكني أدرك أنها كلمة مهمة وخطيرة ما دامت خرجت من فم أقوى رجل في العالم .. وأدرك أيضا أن معناها غير جيد وينبئ بشرّ كان مستطيرا ، لأن هذا الرجل الطيب عودنا على تحذيرنا من كل ما من شأنه أن يكدر صفونا ، وينكّد علينا حياتنا .. ألم يسبقْ أن حذّرنا من قبل من "التيروريزم" ؟! .. كان عليّ إذن أن أتعامل مع هذا التحذير بجدية ، ولذا فان أول أمر أفعله كل صباح بعد استيقاظي مباشرة وتوديعي للأحلام السعيدة  هو أن أرفع يديَّ إلى السماء وأضرع بالدعاء : "اللهم قني شر الفاشيست" .. ذات مرة كنتُ مستغرقاً في قراءة كتاب عندما ظهر لي فجأة مؤلفه من بين السطور حتى لقد ارتعبتُ وقلتُ : " هل أنتَ فاشيست ؟؟ " .. فضحك وقال  : " وما هو الفاشيست يا عبدالفتاح ؟" قلتُ : "لا أعرف .. ولكنه أمر خطير ويودي بحياة الناس"  .. لكنه وبخني قائلا : "لعله كان أمرا جيدا ، لا يجب أن تتخذ موقفا من شخص أو شيء دون أن تعرفه" .
      أغلقتُ الكتاب وقررتُ أن أعرف الفاشيست .. في الطريق إلى السيارة صادفتُ جارنا الذي يعمل مدققا لغويا في الصحيفة اليومية التي لا أشتريها فسألتُه عن الفاشيست ، فقال : افتح المعجم ، باب : فاش يفيش .. ولأنني لا أثق كثيرا في المعاجم لأنها كثيرة التقعر والتحذلق ، فقد تركتُه بعد أنْ رشقتُه بابتسامة صفراء ، وركبتُ سيارتي متوجها إلى سوق الفاكهة والخضار .. وفي الطريق شاهدتُ رجلاً يؤشّر بيده فأوقفتُ السيارة .. أخبرني أنه يريد مساعدة لأن إطار سيارته "فشّ"[1] .. أدركتُ لحظتَها وأنا أردد داخلي "فشّ" أن "الفاشيست" له علاقة بنقص الهواء .. وبعد أن تركتُه سعيداً باكتشافي الفاشيست أعادني بائع الفاكهة إلى الحيرة من جديد عندما سألتُه عن التفاح فأجابني بسؤال استنكاري : "ما تشوفه قدامك فايش[2] ؟ " .. لا يمكن أن تخطئ أذن بصيرة مثل أذني التشابه اللفظي بين "فاشيست" و"فايش" .. قلتُ في نفسي : "لعل الفاشيست دودة تؤدي لتسمّم التفاح ، وربما جميع الفاكهة والخضروات" .. لكنني سرعان ما استبعدتُ الفرضية عندما رأيتُ البائع يلتهم التفاحة أمامي بشراهة ..
     عندما عدتُ إلى بيتي غيرَ مصطحبٍ ظلي قررتُ أن أقلّب الكلمة في ذهني كما يُقلّب الطباخ البيضة في المقلاة .. لعلها كلمة لا تنتمي إلى اللغة العربية الفصحى قدر انتمائها إلى لهجة محكية .. ولأنه لم تكن أمامي سوي لهجتي واللهجة المصرية يمكن أن أزعم أنني أفهمهما جيدا فقد توصلتُ إلى الاكتشاف التالي : "فاشيست" هي أقرب إلى الجملة المصرية : "مفيش ست " ، وعليه ، فان الفاشيست هو الرجل الأعزب أو الأرمل أو المطلّق ! .. بيد أن هذا الكشف لم يصمد كثيرا بعد أن عرضتُه على بعض الأصدقاء ، ومنهم مصريون .
     بتُّ الآن معتاداً على دعاء " اللهم قني شر الفاشيست" في كل مكان أذهب إليه وبصفة خاصة حين أجلس أمام شاشة التلفاز وأشاهد الأخبار :
أشاهد أخبار فلسطين وأدعو : "اللهم قني شر الفاشيست"
وأشاهد أخبار العراق وأدعو : " اللهم قني شرّ الفاشيست"
ولبنان وأدعو : " اللهم قني شر الفاشيست"
وأفغانستان : " اللهم قني شر الفاشيست"
والصومال : "اللهم قني شر الفاشيست"
وكل العالم : "اللهم قني شرّ الـ....."
وأنا واثق أنني يوماً ما سأعرف ماذا تعنيه كلمة "فاشيست" .


[1]  فرغ من الهواء
[2] فايش : عبارة دارجة تقال كناية عن الكثرة والزيادة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق